ابراهيم عربي يكتب : (محاكمات رموز الإنقاذ) … مطاردة الساحرات (22)

الخرطوم الحاكم نيوز
توقفنا في الحلقة السابقة أن قاضي المحكمة الخاصة لإنقلاب الإنقاذ مولانا عصام الذي تنحي عن رئاسة تلكم المحكمة عندما إكتشف إن القضية سياسية بإمتياز ، فقد درج ذلك القاضي دوما علي التصريح بأن محكمته معنية فقط بوقائع مادار في ليلة 30 يونيو 1989.
غير أن عضوا المحكمة اللذين طعن فيهما الدفاع عن المتهمين بوصفهما خصوم للمتهمين وبالتالي لاينبغي لهما المشاركة في تلك المحكمة لثبوت مشاركتهم في التظاهرات المناهضة للنظام وقتها كان لهما رأيا آخرا ، ويقول قانونيون أنهما أدخلا مفهوما قانونيا جديدا مخالفا لكل ما إستقرت عليه الشرائع القانونية الدولية وهو (مفهوم الجريمة المستمرة) ، وهو مفهوم بحسب تفسيرهما له لو جارته هذه المحكمة لوقع باطلا حتي قرار تعيينهما في السلطة القضائية وكذلك كل الترقيات التي نالتها رئيسة القضاء حتي غدت قاضي محكمة عليا ، لأنه ببساطة شديدة فإن قرار تعيينهما وترقياتهما وترقية رئيستهما قد مهره رأس النظام السابق ، ويصبح وفقا لقاعدة البطلان فإن مابني علي الباطل فهو باطل ، وبالتالي لا يمكنك أن تتعامل والحال هذه مع القاعدة البطلان مثل (منيو طعام) تختار منه ماتشتهي !.
ولكن دعونا نستند إلى قاعدة البطلان نفسها لنقول أن قرار تعيين مولانا نعمات رئيسة للقضاء وتعيين مولانا الحبر نائبا عاما نفسه كان قرارا باطلا وفقا للوثيقة الدستورية التي حتمت أن يتم ذلك الإجراء عبر مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلي للنيابة ، وكان ذلك الخرق الأول للوثيقة الدستورية نفسها والتي لم تمضي ساعات منذ التوقيع عليها في ذلك الإحتفال الحاشد والمحضور دوليا .
وعودا علي بدء بشأن الرأي القانوني الذي إنتهي إليه عضوا المحكمة الخاصة بشأن بلاغ مدبري إنقلاب الإنقاذ والذي سارت عليه بقية المحاكم الخاصة بمحاكمة رموز النظام السابق (حذو النعل) أن ذلك المفهوم الموسع جدا لمفهوم الجريمة المستمرة من شأنه إدخال قضاة هذه المحاكم وسائر المكون العسكري بمجلس السيادة في قائمة المتهمين من باب المساهمة الجنائية .
بالنظر للمواد من (21 إلي 26) من القانون الجنائي فإنها تغطي حالات الإشتراك الجنائي ، فهل ياتري قصد القاضيان المحترمان ومن سار بدربهم من القضاة تلك النتيجة ؟ للتفصيل في هذا الأمر المربك والمحير يرجي مراجعة المذكرة المحكمة (بضم الميم الأولي وتشديد الكاف وفتح الميم الثانية) التي أعدها الأستاذ بارود صندل عن هذا الأمر ودفع بها للمحكمة ونشرها للرأي العام.
هذا الدفع القانوني يضع هذه المحاكمة وعدد كبير من بلاغات رموز النظام السابق أمام محك قانوني صعب جدا ، وأي تجاوز له اعتسافاً سيثبت بجلاء أن القصد من هذه المحاكمات ليس إقامة العدل وتحقيق العدالة ، ويرسي سابقة ستعصف بمجمل الأداء العدلي ، ومن ثم إستقرار الأوضاع كافة بالبلاد ، وبالتالي علي أحزاب الحرية والتغيير وبقية مكونات قحت والمكون العسكري الذي يحرس ببندقيته هذه الأحزاب ويتولي عن وعي أو نتيجة حسابات تكتيكية بحتة عليهم واجب التصدي لهذا الأمر بصفة عاجلة ، فهي مسئولية تاريخية سيتحملونها جميعا وستؤثر بلاشك بل وتطعن في مصداقيتهم حول العدالة في موضع القلب ، يجب عليهم الآن وبصفة عاجلة مراجعة هذا الأمر ووقفه وبمقدورهم ذلك من سياق مايجري الآن .
 فلقد وضح من خلال بحثنا الإستقصائي لعدد كبير من المشتغلين بالساحة القانونية وعدد مقدر من المتقاضين ، مدي تغلغل النفوذ السياسي في إدارة أمر العدالة ، وليس فقط في الشأن المتعلق بالتعيينات الخاصة بتلك المؤسسات والتي لم تكتفي قحت وشركاؤها فقط بتعطيل المؤسسات التي ينبغي أن تقوم بذلك الدور وهما مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلي للنيابة ، بل تعدي ذلك إلي قيام مؤسسات سياسية حزبية مثل اللجنة القانونية لقحت ومجلسها المركزي بمناقشة ترشيحات من سيتولون تلك المواقع .
وليس ذلك فحسب بل تجاوز الأمر إلى عقد معاينات لقضاة المحكمة العليا المرشحين لتولي منصب رئيس القضاء ، وهذا ثابت بتصريحات نادي القضاة في بيانه الذي أصدره وبيان اللجنة القانونية لقحت والمتحدثين بأسمها وللأسف من بينهم الأستاذ نبيل أديب الذي كان أداءه يتسم بقدر من الإستقلالية والمهنية التي أكسبته رصيدا معتبرا ، فأصبحت موضع إهتزاز شديد الآن في الأوساط القانونية وأمام الرأي العام ، لقد أكدوا فعلا قيام تلك المعاينات خارج مقر السلطة القضائية وحاولوا التخفيف من وقعها بأنهم لم يجروا في تلك اللقاءات إختبارات معاينة بالمعني الحرفي للكلمة ولكنهم إستمعوا لرؤية القضاة المرشحين حول كيفية تسييير العدالة إذا ما وقع الاختيار علي أحدهم ، إذا ماهي المعاينة إن لم تكن هي هذه ..؟!
ولم يتوقف عند هذا الحد بل الأمر الآخر الذي تعرضنا له في هذا السياق أعلاه وهو ذلك التطابق المريب في أحكام المحاكم بشأن دفع التقادم ، وكما يشير القانونيون فإن تطابق شهادة الشهود أمام المحاكم (النعل حذو النعل) إدعي لرفض شهادة أولئك الشهود لمظنة (الإملاء) ، وبالتالي جدير بقضاتنا ومحاكمنا أن تنفي عن نفسها هذه التهمة ، فقد بات شائعا في ردهات المحاكم أن جهة ما تقوم بإعدادها !!! وهو إتهام يجد صداه وإثباته بقرينة ذلك التطابق والتماثل إلي أن يتم إثبات أن (التخاطر) بين قضاة تلك المحاكم أصبح حقيقة واقعة !!! .
نواصل السبت المقبل ..
الرادار .. السبت الثالث من يوليو 2021 . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى