ابراهيم عربي يكتب : (الترتيبات الأمنية) … جوبا نفر ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
لازلت عند قناعاتي بشأن مآلات مسارات الجبهة الثورية وتأثيراتها المستقبلية في ظل ضعف الوساطة (ماديا وتنفيذيا وسياسيا) ، ولقد حذرنا ساعتها من مآلات مسارات (المنطقتين ، الشرق ، الشمال ، الوسط) علاوة علي تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ، بناء علي تجارب واقعية لمخرجات مفاوضات تمت في عهد النظام السابق لازالت تراوح مكانها .
بلا شك نحن نثمن جهود جوبا أرضا وحكومة وشعبا ، كما نثمن دور دولة الإمارات وغيرها في الدعم ، ولكن تظل الترتيبات الأمنية استحقاق مهم وأساسي في جوهر الاتفاقيات وبالتالي فإنها عملية فنية بحتة ولها لجان مشتركة متخصصة ومحترفة ، وإنها بلاشك مسالة حساسة (ممنوع الإقتراب والتصوير) بلغة الجيش ولكنها مع الأسف خرجت للعلن وفاحت ريحتها وأصبحت قضية رأي عام ولكنها أيضا قضية حساسة والتعامل معها له حساباته ومحاذيره الوطنية .
وبالتالي أعتقد ما ذهب بشانه قادة الكفاح المسلح (مسار دارفور) من بيان بعد مرور (سبعة) أشهر من توقيع إتفاق السلام بجوبا ، كان متوقعا ، وقد سبقهم إليه عرمان ، ولكنها تظل تخوفات لها علاقة مباشرة بما يدور تحت الطاولة مع الحلو في جوبا ! ، الواقع أن الطرفين تبادلا الإتهامات من خلف جدر، ولكنها الآن دخلت مرحلة التصعيد والتهديد وقد تقود لتعقيد المشهد الأمني والذهاب بالسلام نفسه في خبر كان !. 
غير أن المتابع لإتفاق الترتيبات الأمنية الموقع بين الحكومة والجبهة الثورية بجوبا يجده مدرج بمواقيت تتم على (ثلاثة) مراحل (12 شهرا ، 14 شهرا ، 13 شهرا) وفق جداول زمنية ، تبدأ المرحلة الأولى منها بدخول قوات الأطراف الموقعة لمناطق التجميع والتنظيم التي حددها الإتفاق لتنفيذ وقف إطلاق النار وتتم بإشراف اللجنة العسكرية العليا المشتركة لمباشرة عمليات الحصر والتصنيف وفقا للأسس والمعايير الخاصة بالإستيعاب بالقوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخري .
ولذلك يفترض أن تتسلم اللجنة المشتركة كشوفات المقاتلين فور دخولهم مناطق التجميع والتحقق ميدانيا خلال (إسبوع) من توقيع الإتفاق وإستلام الذخائر والأسلحة وحفظها تحت إشراف (الوساطة) وهذا مالم يتم كما هو مرسوم له ، وبالتالي تبادلت الإتهامات بين الطرفين ، وتقول مصادر إستخباراتية أنها ضبطت كشوفات وأفراد تقوم بعمليات تجنيد وسط المواطنين ومنحهم رتب عسكرية جديدة ، إعتبرها الجيش تزويرا يستوجب تفعيل قوانين القوات المسلحة فيما شككت قيادات الكفاح المسلح في العملية معتبرة إياها مجرد مماطلة وتسويف .  
ولكن بالطبع العملية تلك بذاتها لم تعجب بعض قيادات حركات الكفاح المسلح والتي عملت (خلف دور) ويقال إنها أعادت ادراجها إلي حفتر ليبيا وآخرين ضربوا يباب الصحراء فيما إنسلخ آخرون من الإتفاق وعادوا أدراجهم للتمرد من جديد ، ولذلك فما يحدث بجنوب وغرب دارفور وغرب كردفان وغيرها من قتال وتصفيات وإغتيالات تؤكد خطورة الأمر .
علي كل أعتقد حتي الآن لم يتم حسم وضعية القوات التي وصلت الخرطوم لتتولي حماية الشخصيات المهمة ، ومن الواضح أن الأطراف الموقعة والجيش معا لم يلتزموا ببنود الإتفاق ، إذ لم تتم عمليات تحديد مواقع تجمع هذه القوات ولا جمع الأسلحة وبالتالي لم تكتمل عمليات التصنف أيضا ، بينما وصلت الخرطوم قوات كبيرة ومتنوعة بكامل عتادها وتسليحها ! أثارت زعرا لدي المجتمع وبالطبع أحدثت إرتباكا في المشهد الكلي .
ليس كل ذلك بعيدا عن مطالبة مناوي حاكم إقليم دارفور الذي وصفنا حالته (عمدة بلا أطيان) ، بتوفير مبلغ (700) مليون دولار تنفيذاً للجوانب الإنسانية والتنموية وإعادة النازحين واللاجئين، وقد تعللت الجهات المسؤولة بسوء الوضع الإقتصادى وصعوبة توفير الدعم المالي المطلوب لتنفيذ الإتفاق !. 
من الواضح أن الجبهة الثورية لا سيما حركات دارفور إستشعرت الخطر مما يدور تحت الكواليس بجوبا بين الحلو ومكونات الحرية والتغيير (قحت) والتي تهدد مصير حميدتي ومصير قوات الدعم السريع والتي تعتبرها حركات الكفاح المسلح مرتكزا أساسيا للسلام في دارفور، لاسيما وأن حميدتي بذاته ضامن لتنفيذ إتفاق الفرقاء الجنوب سودانيين !. 
تباينت الآراء واختلفت وجهات النظر بشأن مآلات تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ما بين هيكلة القوات المسلحة أم مجرد إجراء إصلاحات داخلها، لاسيما وأن خبراء ذهبوا في إتجاهي نقيض ، منهم من حذر بشدة من مغبة الهيكلة ، فيما نادي آخرون بضرورة إنهاء أسطورة الجيش السوداني وفقا لرؤية (السودان الجديد) ، وبالتالي فإن ما يدور بين هؤلاء وهؤلاء يهدد تنفيذ إتفاق جوبا وبالتالي يهدد  الوضع الأمني بالبلاد .
وليس ذلك فحسب بل طالت السهام التشكك في أهلية وكفاءة قوى الكفاح المسلح مقابل إحترافية القوات المسلحة كمؤسسة راسخة ظلت لأكثر من (60) عاما ، غير أن الجنرال سليمان صندل القائد العام لقوات العدل والمساواة دافع بشدة وقال إن قوات الكفاح المسلح صنعت السلام وساهمت في الإنجاز ومن حقها أن تطالب بنصيبها كاملا في الترتيبات الأمنية ودفع الجنرال بالمطالبة بتعيين (وزير دولة بالدفاع ووزير دولة بالداخلية، والمشاركة في إدارة جهاز الأمن وفي القوات البرية والبحرية وفي الدعم السريع)، وقال أن هذا لايحتاج الي أموال حتي تتغذر الحكومة ولكنه فقط يحتاج لقرار سياسي وبذلك أدخل الرجل قيادة البلاد في مأزق .
وانتقد صندل التسويف وطريقة تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ، وقال إن كان البعض يرى أن القوات المسلحة هي قوات مقدسة ، أيضا قواتنا مقدسة شكلا ومحتوى ولكن يظل السؤال الموضوعي كيف لنا الجمع بين المقدستين ، وأضاف قائلا (نحن لسنا ضيوف ولن نسكت) !.
ولذلك دفعت الجبهة الثورية بوفدها إلي جوبا لحراسة إتفاقها من العبث والتغول علي حقوقها ومكاسبها التي تحققت من خلال إتفاقها معتبرة إياه الاساس الذي تبني عليه أي مفاوضات أو إتفاق .
الرادار … الأحد 30 مايو 2021 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى