الباقر عبد القيوم يكتب : قراءة من وحي المبادرة الإماراتية

 

همس الحروف
قراءة من وحي المبادرة الإماراتية
الباقر عبد القيوم علي

في المقال السابق الذي كان بعنوان لا تشيطنوا الإمارت حتى لا تموت المروءة عند العرب و بين الرجال ، حقيقة ان هذا المقال أسقط حزمة من الأضواء على بعض الخفايا التي غُيب عنها الشعب السوداني من عدة زوايا و مناظير كانت غير مطروقة على الواقع .. و لقد حظي هذا المقال بنسبة إطلاع ومتابعة عالية جداّّ ، حيث إنقسم فيه الرأي العام الى قسمين بين مؤيد للفكرة و رافض لها ، فنال درجة من الإستحسان عند الكثير من القراء ، و كذلك نال قدراً من الآراء التي كانت سالبة و ضد الفكرة ، و لقد كنت حريصاً في الإستزادة بالمعلومات من الأخوة الذين خالفوني الرأي و الذين ذهب أكثرهم إلى وصفي بالعمالة و الإرتزاق نظير ما كتبت عن هذه الدولة الشقيقة والصديقة المفترى عليها و التي لم أرى منها إلا الخير ، ولهذا حاولت التواصل مع عدد كبير من هؤلاء القراء الذين خالف رأيهم رأيي في هذا الموضوع .

لقد كنت شغوفاً جدا بسؤال الكثيرين منهم عن سبب هذه الحملة الشعواء التي كان هدفها شيطنة هذه الدولة و ما هي الدوافع لذلك و ما هو المسوغ الأخلاقي لها فكانت الردود و الإجابات و كأنها متفق عليها تصب في أتجاه واحد و هي تأتي في شكل مصفوفة مرتبة تتهم دولة الإمارات بأن تتدخل في الشأن الداخلي في اليمن و سوريا و مصر و تونس و السودان و كما يعتبرونها الزراع العربي لإسرائيل الذي تنفذ به إسرائيل أجندتها الخفية ، فمن الطبيعي أن أطلب منهم تعليل ذلك و لكن أكثرهم كانوا يقفون عند هذه النقطة و لا بتعدوها ، و ذلك لأن ليس لديهم أكثر من هذا التعليل السمج الذي يفتقر إلى المقومات و البينات التي لا يسندها دليل مادي ، فكان من الأجدر بهم تقييم ذلك بمعايرة ما هو قائم الآن في هذه الدول التي ذكروها ، حيث أن معايرتهم هذه تخلو من المعيار الطبيعي و الأخلاقي لان ما يحملونه يعتمد على واقع افتراضي و وهمي يعشعش في أذهان من عمموا هذا الكلام دون أي قراءة حقيقية تسندها معلومات منطقية ، و هذا ما يكشف حقيقة المخطط الذي يسعى إلى شيطنة الإمارات .

أنا لست الشخص المناسب الذي يمكنه الدفاع أو الرد على هذه الإتهامات السمجة الي قام به صناع هذه الصناعة الفاسدة نيابة عن الأمارات و شعبها ، لان لها رجالها الذين يذودون عن حياضها و يسترخصون أرواحهم و هم يتقدمون الصفوف فداءً لها ، و لكن أردت أن أقنع نفسي بحقيقة ما يروج عنها في الأسافير من إفتراءت كحملات ممنهجة لا ترتقى أن تأخذ بعداً أكثر من كونه ضرباّّ من ضروب الحقد الأسود و الحسد ، و لهذا أجدهم نشطوا في مهاجمتي بإنتقادات لاذعة و إفتراءات كاذبة ، فنجد كل ما هو معروض من حديث لشيطنة هذه الدولة عار من الصحة ما لم يتم إثباته على الملأ ، وحيث كل هذه الفقاعة التي توسعت دائرتها في السودان نجمت بعد مشروع مبادرة التسامح الديني الذي قامت به الإمارات في أرضها و بغض النظر عن تقييم هذا التسامح من قبل أعدئها فهي دولة ذات سيادة تفعل ما تريد على أرضها ولها كامل الحرية المطلقة في ما تعتقده ، حيث كل ما يتحدث به الناس عنها يعتبر شأناً داخلياً في محيط حدودها الجغرافية ، و كما أننا نجد أن هذه الدولة هي آخر الدول العربية و الإسلامية التي طرقت باب عضوية النادي الإسرائيلي ، خصوصاً تلك الدول التي يذكرها أعدائها في قائمتهم وهي (اليمن و سوريا و مصر و تونس و السودان) التي يدعون أنه تم إستهدفها من قبل إسرائيل عن طريق دوة الإمارات وفق ما جاء في هذه الحملة التي ما زالت مستمرة في شيطنتها ، بالرغم من أنها تعتبر آخر دولة من هذه القائمة قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وكان ذلك في أغسطس من العام 2020 حيث سبقتها تونس في هذا الامر ب(27) عاماً ، وكان ذلك في سنة 1996 ، و كذلك مصر أقامت علاقاتها منذ عام 1980 ، و كما أن السودان بدأ في هذه الخطوات العملية تجاه التطبيع منذ عام 2018 ، فلماذا كانت هذه الفرضية التي تسعى في جعل الإمارات مستوطنة يهودية ؟ ، أمن العدل أن تكون هي أحدث دولة في النادي الإسرائيلي و هي المتهمة الأولى بكل هذا الزخم العدائي ، كيف تحكمون على ذلك ، و سوف أترك الرد إلى حصافة القاريء ، صحيح أن الإمارات دولة مضيافة و ترحب بكل من طرق بابها زائراً لها او مقيماً بها من أجل سوق العمل الوظيفي أو الإستثمار على ارضها ، حيث أنها دولة تحفظ حدود العلاقات بين الناس و بين الناس والدولة و تقدم الضمانات الكفيلة بحفظ الحقوق لكل المتواجدين على أرضها ، و لذلك نجدها قد قامت بإستجلاب الخبرات و و سعت قاعدة التعليم و البيانات و البحث العلمي و تتبعت التكنلوجيا الحدثة و لم تلتفت إلى دين من يقدم لها هذه الخدمات ، وما يهمها هنا فقط (الكفاءة) لتسهيل مهمة إدارة دولتهم ، فكان من الأجدر بنا الاستفادة منها في كسب و تبادل هذه الخبرات و الإستزادة من تلك المساعدات التي وصلت إلنا منها حتى يستطيع السودان من الوقوف على أرجله ، و ليس بشيطنتها والتقليل من شانها ، فمن يفعل ذلك فقط يحاول جاهداً الإستخفاف بعقول الناس ، وكما يقول امثل (إذا كان المتحدث مجنون فالمستمع عاقل) .

فأما موضوع الحرب ضد الحوثين في اليمن فهو يقع في حزمة زمنية في تاريخ كان معاصر و معلوم للجميع و تم ذلك تحت غطاء الأمم المتحدة و بإسناد من جامعة الدول العربية ، و شاركت فيه معظم الدول العربية وليس الأمر مختصراً على دولة الإمارات لوحدها ، و السودان يعتبر شريكاً أصيلاً في عاصفة الحزم و لهذا إذا كانت هنالك شيطنة فلتكن عامة على الجميع و ليس إنتقائية حسب المزاج وهوى أصحاب الغرض و المرض .

لقد تم إجهاض فرصة رخاء و نماء واسعة في منطقة الفشقة قبل التكوين ، و اعدموا إمكانية الاستقرار في تلك البقعة التي تم بيعها في السابق بدون مقابل للأحباش من قبل الإنقاذ وكان ذلك مقابل توفير قدر من الهدوء في الجبهة الشرقية لأن الحكومة وقتها كانت تعاني الأمرين من ويلات الحرب في الجنوب و الغرب ، و كانت الجبهة الداخلية للحكومة غير موحدة ولهذا تم غض الطرف عن هذه المنطقة و ما أقيم فيها من مستوطنات .

و لكن ما أرجوه الآن و أتحدى بذلك الحكومة الإنتقالية أن يقوم أي أحد من أفرادها بإنتقاد هذه المبادرة و لو داخل جرة و ليس على المنابر الإعلامية المفتوحة ، أو في المقابل يجب الإعتذار الشديد لهذه الدولة المحترمة إعتذاراً يليق بها وبحجم ما قدمته للسودان من جراء ما نالها من تجريح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى