شرف الدين أحمد حمزة يكتب : حقبة الإنقاذ الوطني بين البصمة والوصمة (3-4)

الخرطوم الحاكم نيوز
□هل كانت تقديرات الجبهة الإسلامية القومية بجناحيها العسكري والمدني خاطئة وهي تنفذ إنقلابها العسكري في الثلاثين من يونيو عام 1989؟؟وهل كانت الظروف الإقليمية والدولية قابلة للإعتراف والتعامل مع هذا الإنقلاب وبهويته الغامضة ساعة إندلاعه؟
وماذا كانت تقديرات قادة الأحزاب السودانية الكبرى بعد أن برزت وإستبانت هوية الإنقلاب بالتدريج؟وكيف كانت الأوضاع الداخلية على صعيد الأداء الإقتصادي والسياسي والأمني والإجتماعي؟
ثم ما هي المحصلة الختامية لهذا الإنقلاب وهذه الحقبة بما لها وما عليها وقبل هذا وذاك لماذا تآكلت الإنقاذ من دواخلها حتى أصبح البشير هدفا للإقصاء من دهاقنة الإنقاذ بالمؤتمر الوطني البائد بما دفعه لمحاولات الإحتماء بالقوات المسلحة والتردد على الحاميات العسكرية ومخاطبتها بعد كل تصريح يصدر من دهاليز المؤتمر الوطني ومجلس شوراه بعدم التوافق حول المرشح الرئاسي القادم؟

□منذ سقوط نظام المشير جعفر نميري في6/أبريل/1985بدأت مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية وعلوم المستقبليات الأجنبية مثل مراكز الدراسات السياسية بواشنطن وكذلك مركز”زيغنيوبر بريجنسكي”،ومركز”روكفلر”،ومركز”كاربنجي”،ومركز دراسات السلام الأمريكية كلها تتناول الأوضاع ومستقبل الحياة السياسية في السودان من منظورات متعددة منها الأنثربولوجية والإقتصادية والإجتماعية والإستراتيجية ومستقبل مآلات الحرب الدائرة في جنوب السودان. في عام1988صدر تقرير بعنوان (مستقبل الوطن العربي في العشر سنوات المقبلة)عن مركز التخطيط بالكويت وقد خلص هذا التقرير إلي أن الوطن العربي سيشهد ميلاد ثلاثة دول جديدة منسلخة من جسم الوطن العربي وهي دولة الأماتونج في جنوب السودان،والدولة الفزانية الكبرى جنوب ليبيا،والدولة الكردية شمال العراق.
كما حملت مجلة السياسة الدولية التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية رؤية ودراسة د.عبد الملك عودة في العام 1988والتي ترى أن مشكلات مصر الإقتصادية والسكانية والإستراتيجية في ظل السقوط المتوقع للدلتا المصرية في جوف البحر الأبيض المتوسط بفعل المتغيرات البيئية عالميا وإرتفاع أسطح البحار والمحيطات بالتزامن مع مقدمات حرب المياه كل هذه المشكلات في تقدير د.عودة لن تحل إلا بالزحف المصري نحو شمال السودان حتى مروي القديمة! وفي مطلع التسعينيات بعد حرب الخليج الأولى صدرت مذكرات
الجنرال(نورمان شوارزكوف)قائد قوات التحالف الأطلسي ضد العراق_حيث أورد بمذكراته المنشورة على صفحات جريدة الشرق الأوسط حينها بأنه ليلة الإنطلاق وبينما كان يراجع مع غرفة العمليات خرائطه وخططه لتدمير العراق إستدعاه عاجلا الجنرال(كولن باول)رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في غرفته البيضاوية المبطنة بالرصاص منعا للتصنت،وكان في ظن الجنرال(شوارزكوف)أن الجنرال(كولن باول)سيلقي عليه معلومات أخيرة حول خطط الإغارة على بغداد غير أن الجنرال(شوارزكوف)قال أنه فوجئ بأن الجنرال(كولن باول)لا يحدثه بأي كلمة عن العراق بل ألقى عليه محاضرة حول السودان وأهميته الإستراتيجية وموقعه الجغرافي وموارده الطبيعية؟!!!

□في هذه المناخات كانت تقارير المخابرات العسكرية السودانية المرفوعة للسيد/رئيس مجلس رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية ورئيس الوزراء المنتخب والذي يتسنم حقيبة وزارة الدفاع كذلك كانت تلك التقارير الإستخباراتية والتي على درجة عالية من الوثوقية تعكس بؤس وسوء الأوضاع العسكرية بجبهات القتال بجنوب السودان وإنعدام الإمدادات العسكرية من المؤن الغذائية والأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية والطب الميداني العسكري والمهمات الأساسية حتى الملابس والأحذية العسكرية،وتواترت هذه التقارير مرارا دون إستجابة حيث كان السيد/رئيس مجلس رأس الدولة يحيل أصل التقرير للسيد/رئيس الوزراء الذي يكتفي بالإطلاع عليها.
وبينما كان وزير شئون رئاسة مجلس الوزراء يتداول القفشات ذات نهار مع الوزير الجنوبي”جيشوا دي وال”وزير الحكم المحلي داخل مكتبة على أنخاب(الويسكي)ماركة”هوايت هورس”الذي يحضره له من إثيوبيا أحد سكرتاريته فإذا بمكتب سكرتارية وزير شئون الرئاسة سعادة الفريق/فوزي أحمد الفاضل من هيئة قيادة القوات المسلحة واقفا على قدميه في قلق يطلب من السكرتارية الدخول إلي مكتب الوزير،وبسؤال سعادة الفريق عما إذا كان بالإمكان الإنتظار برهة لإخطار الوزير أفاد سعادته بأنه على عجل لإصطحاب الوزير إلي مكتب السيد/رئيس الوزراء لإبلاغه بسقوط (قيسان والكرمك)هذا النهار في أول تمدد لحركة التمرد إلي السودان الشمالي وإتفرج يا سلام كما يقول الأستاذ طلحه الشفيع في نهايات عموده الصحفي الممتع بهذا العنوان!!!

□بدأت البرقيات اللاسلكية من جبهات القتال تتنادى على رئاسة القيادة العامة للقوات المسلحة تطلب الإمدادات وإخلاء الجرحى دون جدوى حتى قام الفريق عبد الرحمن سعيد،رئيس هيئة الأركان بزيارة عاجلة إلي المواقع الأمامية للقتال بجنوب السودان مخاطبا الجنود بلهجة إستفزازية وصلت لدرجة إتهامهم بالجبن وأنهم أصبحوا مثل النقابات في إستخدام سيل البرقيات المتواتر لدرجة أن إستفز حديثه أحد الجنود فقام ليريه مستوى تمزق ملابسه العسكرية وبنطاله العاري موجها إليه الحديث بأنهم ليسوا جبناء ولا يهابون الموت بدليل أنه قد أفرغ سلاحه الناري في جسده وإنتحر أمام قائده في مشهد مأساوي كما أورده الأستاذ/محمد محمد كرار في إحدى كتبه حول الجيش والسياسة في السودان.

□بالتزامن مع تقارير الإستخبارات العسكرية عالية الوثوقية بدأت هيئة القيادة العامة للقوات المسلحة تبعث بمذكراتها العاجلة تباعا لرئيس مجلس رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة بصورة لرئيس مجلس الوزراء تفيدهم بإختلال ميزان القوى في ميادين وجبهات القتال بالجنوب لصالح الحركة المتمردة إذ أن حركة التمرد بدأت تتلقى إمدادات كثيفة نوعية من محاور خارجية على رأسها الكنيسة العالمية،وإسرائيل التي لم تخف دعمها المباشر بل وتدخل بعض جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في القتال وسقوط جرحى منهم وقتلى يتم إخلاءهم فورا من ميادين القتال على النحو الذي سرده ضابط الموساد المتقاعد”موسى فيرجي”في كتابه لاحقا حول إسرائيل وجنوب السودان.
وإزدادت أوضاع القوات المسلحة السودانية سوءا بجبهات القتال تكاثفت الإمدادات العسكرية من المؤن العسكرية والذخائر والمعدات والمستشفيات الميدانية العسكرية وصور الأقمار الصناعية الإسرائيلية لتحركات القوات المسلحة السودانية الأمر الذي سقطت معه تباعا عشرة حاميات عسكرية تباعا في أيدي الحركة التمردة.بما أدى لإنخفاض وهبوط الروح المعنوية والإحباط العام بالجبهة الداخلية عموما!

□وسط هذه الإحباطات المتكررة أعلنت القيادة العامة بيانا حزينا ذات نهار أعلنت خلاله قيام حركة التمرد بمذبحة دامية كبرى”بالقردود”فأصاب الحزن والوجوم الشعب السوداني وفقدت الحكومة بمجلسيها النطق والكلام بعد ساعات من إذاعة بيان القوات المسلحة فإندلعت المظاهرات العارمة تندد بهذه المذبحة وكانت النقابات العامة وفرعياتها في طليعة التظاهرات التي إندلعت من دار إتحاد نقابات عمال ولاية الخرطوم ومن داخل دار الإتحاد أنبرى أبناء دارفور وكردفان وجنوب كردفان عبادره كبيرة لتشكيل الدفاع الشعبي وعلى الفور إنضمت إلي الدفاع الشعبي منذ تلك اللحظة جموع من السحنات والقبائل والنقابات من جميع أرجاء السودان وأنبروا للتسجيل والإنخراط في قوات الدفاع الشعبي.
…وسط هذا الغليان نطق أخيرا حزب الأمة القومي الجديد ولكنه نطق كفرا في بيان ليلي عبر التلفزيون أذاعه أمين أمانات حزب الأمة القومي الجديد د.عمر نور الدائم قائلا بأن الحزب يدين مجازر القردود إن صدق بيان القوات المسلحة!!!بهذا البيان فقد حزب الأمة القومي الجديد مصداقيته بتشكيكه في بيان القوات المسلحة السودانية بمقولة((إن صدق ما جاء ببيان القوات المسلحة))علما بأن القردود تمثل إحدى دوائر حزب الأمة القومي الجديد.

□كانت الجمعية التأسيسية في أسوء أوضاعها حيث الإنشغال بتعويضات ما سمى ب”تعويضات ال المهدي”وكذلك صفقات تمليك سيارات نواب الجمعية،والغياب الدائم للنواب في جلسات الجمعية وتوجيه إدارة التلفزيون بعدم عكس هذه الصور الشائهة لعدم إنضباط النواب بعد الحملة الصحفية العارمة التي شنتها الصحف السودانية على هذا الإنفلات في الجهاز التشريعي.
وسط هذه الأجواء القاتمة جاءت الجلسة العاجلة للجمعية التأسيسية لتداول الأوضاع المتردية في البلاد حيث جاء بيان وزير الدفاع المرحوم الفريق عبد الماجد حامد خليل يحكي الموقف على جبهات القتال بصورة مؤلمة وصادقة وجاء بيان وزير المالية والإقتصاد الوطن المرحوم د. عمر نور الدائم مشيرا إلي أن الإقتصاد السوداني يعاني مما أسماه بالموبقات العشر،وإنعدام الصادر الوطني وأحجام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن التعاون مع السودان وتصنيفهما للإقتصاد السوداني بأنه إقتصاد غير متعاون مع المؤسسات الدولية وحكى كذلك أحجام الاشقاء والأصدقاء عن مد يد العون للسودان مع ضمور تدفقات تحويلات المغتربين وجمود ملف الإسثمار تماما.
وكان ختام الجلسة بتلك الكلمات النارية الغاضبة للشريف زين العابدين الهندي ليسرد الواقع العام المأساوي للحكومة السودانية وأن هذه السلطة السياسية لو شالها كلب فإنه لن يقول له جر؟!!!
وأزاء إنسداد أوردة وشرايين الإقتصاد السوداني،وإزدياد وتيرة تهريب الصمغ العربي والإغراق السلعي وإنهيار القطاع الصناعي وتوقف صادرات الهدي للسعودية ومصر وإتجاههما للأسواق الصومالية والاسترالية بما يعني مزيدا من الضغوط الإقتصادية،مع إتساع مساحان البطالة وفشل المواسم الزراعية بداية سلسلة الإضرابات العمالية والإضرابات التضامنية المؤازرة للهيئات المضربة الأمر الذي أدى لإنهيار مؤسسات الخدمات والصحة والتعليم والكهرباء والمياه،وأخيرا الإنفلات الأمني الرهيب داخل العاصمه ومظاهر التردي الأخلاقي وإختطاف الشرطي عبد الصادق يوسف دفع الله الطالبة أميرة الحكيم وإغتصابها وقتلها وتقطيع جثتها وإلقائها بكوشة الحزام الأخضر وهروب القاتل للقاهرة وعودته والقبض عليه أثناء عودته بمطار الخرطوم وإيداعه بسجن كوبر أثناء التحقيق ثم إنتحاره داخل زنزانته بسجن كوبر “بتكة “سرواله وفق عناوين جميع الصحف السودانية_ودقي يا مزيكة.

*شرف الدين أحمد حمزة*
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى