دكتور صديق مساعد يكتب : الدين والسياسة مابين الفوغائية والعقلانية الحلقة(الاخيرة)

الخرطوم الحاكم نيوز
تحدثنا في الحلقة السابقة عن اثر الحوار الهادف البناء العميق الجذور والمتسع القنوات والجسور و دور المثقفين والنخب التي تتعامل وتتعاطي قضايا السياسة والدين عبر إلتصاقها الحميم بجذور المشكلات والتواصل مع كل الشرائح وكذلك تحدثنا عن ممارسة بعض المثقفين والنخب التي تتناول هذه القضايا من علٍ اي بتعالٍ وصفوية وهنا لا نتفق مع اصحاب الراي الذي يحاول إلصاق بعض الممارسات و التخلف وفشل المشاريع القومية و الوطنية بسبب الدين ولكن لايمكن محاكمة الدين في هذه القضايا عبر جرد تقييمي ومحاسبة للعقائد فالعقائد يحملها بشر ويفسرها بشر وهذا التفسير تحكمه إمكانيات تلك الامة في ان ذاك المعتقد من ما يحمل من ثقافة وإمكانيات معرفية ولا يمكن باي حال من الأحوال ان نحمل العقيدة مسؤلية اي تخلف فاذا كان هناك محاكمة يجب ان تتناول مناهج التربية والتعليم والعملية التعلمية و التربوية ومناهج المدارس بدءا من دور الحضانة الي مرحلة التعليم العالي وكذلك مراجعة المناهج والعلوم والآداب والفنون لانها هي المسؤلة عن تشكيل العقول ووضع مسارات للحراك الاجتماعي وتتجلي كل هذه المكونات في تفسير كل الظواهر وتاويل النصوص الدينية المقدسة وهي المسؤول الاول والاخير لانها هي التي تحدد معالم واطر السياسات الاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية بما في ذلك السياسية الدينية وبين الدين ورجاله ودورهم اي ان ارتباط الدين بالسياسة لايمثل خطر بشكل عام لكن الخطر كل الخطر هو تحويل السياسة والفعل السياسي الي ممارسة مقدسة والغاء ومصادرة دور العقل والنقد في قضايا الراي فيمكن للدولة ان تكون ديمقراطية لكن ليس من الممكن للدولة ان تكون ديمقراطية دون ان تضمن حرية الإعتقاد وهذه هي النقطة الفارقة وبين ما وصلت اليه اروبا الغربية و اروبا الشمالية والان اوربا الشرقية تسير في ذات الدرب بعد نهاية الحرب الباردة وحتما سوف تصل الي بر الامان اي الوصول الي اتفاق ووفاق مابين سلطة الكنسية وجهاز الدولة وهذا الاتفاق والوفاق وتلك المسارات لم تعرف طريقها الي مجتمعاتنا العربية والاسلامية الا عبر ومضات واشراقات قصيرة الاعمار في بعض البلدان لكن لم يكتب لها النجاح لانها لم تجد البيئة الصالحة والمناخ المناسب ،لاننا لم نبدا من حيث انتهي الاخر علي صعيد التجربة الانسانية بل بدانا مع بداية الصراع الذي ظهر في اوربا في عصورها المظلمة و الظالمة ومن حيث التجربة الاسلامية بدأنا من حيث ما بدا بنو امية وليت لساساتنا حلم معاوية بن ابي سفيان وليتنا بدانا من حيث ما انتهت صراعات اوربا الدينية والسياسية ،حيث انتهت اروبا الي مصالحة شبه تامة مع نفسها ومع كنيستها وحكامها ونخبها وكل اناس قد علموا مشربهم الا نحن ،نعم اروبا عبرت وتوحدت اقتصاديا وسياسيا رغم كل هذا ظهرت بها احزاب دينية لكنها لم تستخدم الغلو والارهاب الفكري بل حتي تلك الاحزاب التي ظهرت ببلجيكا و ايطاليا و سويسرا وهولندا علمت حدودها و علاقتها بالاخر وتجلي ذلك في احترامها للقوانين وللاخر وهذه الروح لم تتمسك بها الاحزاب الاوروبية ذات النزوع الديني بل حتي المنظمات المهنية والشبابية والنسوية كل هذا حدث بعد تنامي الوعي و تطاولت ذرى سنام المواطنة، فتصالحت تلك المنظمات والاحزاب مع معتقداتها دون شطط رغم ان السيد المسيح عليه السلام لم ينشئ دولة ولم يرفع صليبا علي سارية كنيسة لكن رغم ذلك نشات احزاب ذات صبغة دينية علي سبيل المثال عام1919 تأسس في ايطاليا الحزب الشعبي المسيحي الذي قام بحله الدوتش موسليني عام1924 لكن ظهر ابان الحرب الثانية مرة اخري عام 1944 باسم الحزب الديمقراطي المسيحي وهو قائم الي يومنا هذا وفاعلا في الساحة الاروبية وكذلك في عام 1924 تاسس في فرنسا الحزب الشيوعي المسيحي الديمقراطي كذلك عام1946تاسس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في المانيا الغربية سابقا كذلك ناشات منظمات شبابية ذات مسمي ديني مثل قيام الاتحاد الدولي للشباب المسيحي الديمقراطي عام 1948 وهو منظمة سياسية وهذا المسلك لم يكن حكرا علي القارة العجوز اوروبا بل تمدد شرقا الي اسيا وغربا الي امريكا اللاتنية ففي عام 1949 انشات الاحزاب المسيحية في امريكا الجنوبية منظمة امريكا الديمقراطية المسيحية بل حتي الاشتراكيين دخلوا في هذه الدائرة ففي القرن قبل الماضي اسست الجامعة المسحية الاشتراكية عام 1880م كذلك في عام 1906 تاسست جامعة الكنيسة الاشتراكية عام 1923م جامعة ملكوت الله .. كل هذه المنظمات و الجمعيات و الاحزاب حينما تقدمت لمجتمعاتها لم تقدم نفسها باعتبارها الناطق باسم المشيئة الالهية.. بل قدمت مشاريع وبرامج اجتماعية وسياسية هادفة عبر تلك البرامج خدمة الجماهير من دون مزايده لم تقل ان تلك البرامج والمشاريع لاياتيها الباطل من خلفها او من بين يديها ولم يقولوا ان من يقف ضد تلك البرامج والافكار خائنا وحاد الله والرسول ولم يكفروا احدا ولم يقولوا ان هذه طائفة الايمان واهل الله وغيرهم هم حزب الشيطان وملة الكفر قدموها باعتبارها برامج تلامس قضايا الجماهير وقابلة للنقد والمراجعة والتبديل والحذف و التعديل ، لذا سلمت مجتمعاتهم من عواصف التزمت و التفكير و التشنيع بالاخر ، حتي لو كان منافسا شريفاً،فعبرت تلك الشعوب بقوة ارادة ساساتها الذين اهتموا بقضايا برامجهم السياسية الاجتماعية وحاورا خصومهم ولم يكفرا ولم يخرجوا من الملة احد، بل كان الجميع امام القانون سواء دون كلف اورهق عكس ما يحدث في مجتمعاتنا فبعض احزابنا ذات النزوع الديني تري انها هي وحدها مبعوثه العناية الالهية للبشر وكل من يدلي براي مخالف لها يوضع في خانة الكفر والالحاد او المرتد بكل بساطة وهذا المسلك الخبيث اعاق مسيرة كثير من بلداننا وجعلها تتخبط في دياجير الظلمات وكيف لا وهي تتعلق بثقافة ظلامية لا تعرف ولا تعترف بالعقل واهل العقول.. بل بثقافة ظلامية لا تعرف ولا تعترف بالعقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى