أخر الأخبار

(مناوي) … التعايش مع المرفعين ..! بقلم : إبراهيم عربي

 

أعتقد ماذهب إليه مني آركو مناوي المرشح حاكما لإقليم دارفور في دعوته للتسامح والتصالح مع الإسلاميين في إطار التصالح العام مع كافة المكونات السودانية تصالحا (سودانيا سودانيا خالصا) نظرة متقدمة ، واستشهد الرجل بفرضية (إذا قدر لك أن تعيش في الغابة لابد من التصالح والتعايش مع المرفعين أو الصبع) ، حقا إنها دعوة تنم من واقع تجربة عملية ذاتية تتطابق مع المثل الشعبي (أسال مجرب ولا تسأل طبيب).

بلاشك أن مناوي له تجربته الخاصة مع المؤتمر الوطني في الحكم عقب تعايش وتجربة (5) سنوات رئيسا للسلطة الإنتقالية في دارفور وكبير مساعدي رئيس الجمهورية ، برغم ما إعترتها من هنات ولكنها كانت تجربة مفيدة وتصلح للتقييم والتقويم وليس نبذها ورميها في سلة المهملات كما ذهب البعض ، إذ لم يتنكر الرجل لمشاركته المؤتمر الوطني في الحكم مثل آخرين كثر ، بل تحمل مناوي مسؤوليته كاملة (التعايش مع المرفعين) بما فيها من مساوئ وإخفاقات وإنجازات وإيجابيات .

ولكن ربما ضاقت الغابة أخيرا علي أهلها فأصبح التعايش بينه والوطني صعبا ، وماعاد الإثنين يحتملان التعايش معا في غابة واحدة ، فغادرها مناوي وبالتالي ترك الرجل المنصب الرفيع مغاضبا ليخوض من جديد دخول الغابة مخاصما في الطرف الآخر بسياسة وإستراتيجية جديدة ، ولعلها تجربة فيها الكثير من التجارب العملية مثلما فيها من مرارات ومآسي .

علي كل فإن إتفاقية أبوجا منذ توقيعها 2006 واجهتها العديد من المطبات بشأن تطبيق بنودها ، حالها حال غيرها من إتفاقيات السلام التي وقعتها الحكومة مع الحركات المسلحة ، والتي تعتبر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية أضعف حلقاتها .

أعتقد التسامح والمصالحة الوطنية التي دعا لها مناوي ضرورية لمعاجلة الخلافات في البلاد ، لا سيما وأنها أفادت عدد من المجتمعات التي خرجت من ظروف حرب مماثلة في الخروج لبر الأمان، لا سيما جنوب أفريقيا ورواندا وغيرها ، قالها مناوي بكل شجاعة لا يمنع ذلك أن يقدم كل من إرتكب جرماً من الإسلاميين للمحاكمة بما فيهم مثول المطلوبين للجنائية الدولية .

حديث مناوي أو تصريحاته تلك تسامحية تصالحية بحتة ، ونراها توجهات مهمة لرجل سيصبح قريبا حاكما لإقليم دارفور وهو أكبر إقليم بالسودان مساحة وتعدادا  سكانيا يتجاوز (13) مليون نسمة بمكوناتهم القبلية المتعددة والسياسية المتباينة ، وبالطبع بينهم من ينتمون للإسلاميين أو المؤتمر الوطني ، وليست الأسرة الواحدة بعيدة من هذه البيانات الآيديلوجية ، ولذلك تأتي أهمية الدعوة للتسامح والتصالحات .

وليس ذلك فحسب فمن قدر أهل دارفور أن التباينات السياسية جعلت الأسرة الواحدة تقتتل أو تتنافر فيما بينها مما جعل الإدارة الأهلية لأن تلعب دورا مهما لوحدة جمع الصف للمحافظة علي المكون القبلي بعيدا عن تقاطعات الآيديلوجيات السياسية ولكنها كانت لها سلبياتها كما لها إيجابياتها .

غير أن حديث وتصريحات مناوي تلك يمكن تناولها من عدة زوايا وإتجاهات ، بمعني أن الإعتراف سيد الأدلة فمن تبث إنه إرتكب جرما عاما أو خاصا من الإسلاميين أو المنتمين للمؤتمر الوطني أو غيرهم من الأحزاب والقوي السياسية التي كانت تشاركة بموجب إتفاقيات سلام موقعة معه ، يجب أن يحاسب كل بمسؤوليته الشخصية ومن لم يجرم فلا غبار عليه ، ولذلك تصبح المحاسبات هنا فردية وليست جماعية كما يتشدق البعض من أعداء الإسلاميين ، وذلك يعني أن التجريم ليس للإسلاميين ككيان وهي حركة مجتمع أو المؤتمر الوطني كحزب مجتمعي .

لا سيما وأن حديث مناوي أو تصريحاته تلك جاءت تتطابق مع آخر تقرير (CIA) قبيل نهاية العام 2020 ، إذ إعترف التقرير بإن المخابرات الأمريكية عملت علي تجنيد أشخاص عملاء لها وبالتالي أحدثت إختراقا للمؤتمر الوطني والحكومة ليتبوأ عملاءها مقاعد في السلطة لإحداث الفساد والإفساد من أجل إسقاط البشير ، وهذا بذاته يتطابق مع ما ذهبت إليه المسؤولة الأمريكية سوزان رايس في كتابها (تف لف) أي (حب متشدد) ، وبالتالي فإن جميعها تتنافي مع تلكم المزاعم بأن الفساد مؤسس له جماعيا وليس فرديا .

واعتقد البينات والمعطيات تلك جميعها تدحض ما ذهبت إليه لجنة إزالة التمكين والتي نراها جاءت للتشفي ، فقالت إنها تهدف لتفكيك المؤتمر الوطني (صامولة صامولة) علي غرار تفكيك حزب البعث العراقي ، أما إن كان يتخوف هؤلاء أو يتهيبون المؤتمر الوطني منافستهم في السلطة ، لا أعتقد أن عضوية الوطني علي إستعداد للمشاركة في الفترة الإنتقالية ، ولكن ربما يفكرون في ترتيب أنفسهم لمرحلة الإنتخابات المأمولة والتي قطعا لن تتم دون وجود أحزاب وقوي سياسية فاعلة تتنافس عليها ، بيد أن مطلوبات الوطنية يجب ان يفرق هؤلاء جميعهم بين قضايا الوطن الكبري وشخصنة القضايا .

بلاشك أننا مع محاكمة كل من أفسد وكل من ثبت إنه أجرم وفق القانون وفي ذلك يجب ان نترك العدالة بمعناها الواسع أن تأخذ مجراها دون تدخلات سياسية ، وفي ذلك يجب أن تتاح الفرصة كاملة ومدعومة للمكونات المجتمعية لما لها من إرث ثقافي وقيمي لأجل التعايش السلمي .

وإلا إن إستمرت الحالة بذات العين وذات التشفي ، نخشي أنها تقود البلاد لحالة من الإحتقان ، فما يحدث الآن سابقة جديدة في تاريخ السودان ، إذ لم يتم تفكيك حزب من قبل (صامولة صامولة) ، وخير شاهد الحزب الشيوعي وغيره ، وأيضا الحركة الشعبية (قطاع الشمال) عندما تمردت قيادتها ولذلك أعتقد جاءت دعوة مناوي (التعايش مع المرفعين) في مكانها .

الرادار الإثنين الثامن من فبراير 2021 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى