تأملات- جمال عنقرة – التطبيع مع إسرائيل .. كلهم يخشون البيع الرخيص

الخرطوم الحاكم نيوز
أتناول في هذا المقال بعض ما وردني من تعليقات وملاحظات وردود علي مقال الأمس عن مشروع تطبيع العلاقات السودانية مع إسرائيل، والذي كان عنوانه (التطبيع مع إسرائيل .. والتفكير السوداني العقيم) وكنت قد ذكرت في ختام المقال أن سودانيين كثر يتساءلون كما تساءل وسأل الأمير البطل عثمان دقنة لحظة القبض عليه (لعلك ما بعتني رخيص؟) وكان قد توجه بهذا السؤال إلى “ود علي” عندما تأكد أنه هو الذي دلهم علي مكانه، وعندما أقول في عنوان هذا المقال (كلهم يخشون البيع الرخيص) لا أعني بالطبع كل السودانيين، ولا كل الذين تواصلوا معي في هذا الشأن، ولكنها إشارة إلى غلبة كاسحة، فحتى بعض الرافضين لفكرة التطبيع من أساسها مثل أخي خليفة الخير عبد النعيم فهو أيضا يخشي البيع الرخيص، وفي تعليقه إشارة لطيفة حيث ذكر (أخشي أن يكون البيع رخيص كما بيع الأمير عثمان دقنة) ثم أضاف (لو كان الأمير النور عنقرة حيا لما وافق بالتطبيع) ولقد ذكرتني هذه المقولة موقفا طريفا لأستاذنا العالم الجليل مولانا الغالي جديد له الرحمة والمغفرة، فمولانا الغالي كان رجلا لطيفا وطريفا، وكان معجبا بنشاطي الفعال في مدرسة الأبيض الثانوية التي كان وكيلها، وكان ناظرها الأستاذ الشاعر الأديب الهادي آدم شاعر أغنية (غدا ألقاك) التي تغنت بها سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم، وكان يقدر مولانا الغالي في شخصي أيضا تميزي في اللغة العربية رغم أني كنت من الطلاب العلميين، فشاهدني مرة ألبس ساعة “ستاتية” فقال لي (تعرف يا ود عنقرة جدك كان فارس خلاص) فقلت له (وأنا كمان فارس خلاص يا مولانا) فقال لي في سخرية (أسه ساعتك دي ساعة فارس). وكذلك أختنا المتميزة أماني بخيت أكدت رفضها المبدئي لفكرة التطبيع، مع التأكيد علي حفظ مساحات الود والتقدير. وأخي محمد حسين الخضر أيضا من الرافضين لفكرة التطبيع وهو مثل الزعيم الراحل المقيم الإمام الصادق المهدي يشكك في صحة حديث رهن النبي صلي الله عليه وسلم درعه إلى يهودي، ويعتبران ذلك من الاسرائيليات، ورغم إقراره بجواز التعاون مع اليهود والنصارى علي حد سواء، لكنه يري أن الإسرائيليين الحاليين هم امتداد لعصاة اليهود الذين كفروا بسيدنا موسي وحاولوا قتل سيدنا عيسي عليهما السلام، ودسوا السم في طعام خاتم النبيين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ولذلك يري أن موقف إخوان مصر، وأهل حركة حماس الرافض للتطبيع هو الموقف الأقرب للصواب.
صديقنا الدكتور العميق أحمد الطيب إبراهيم استشاري جراحة الكلي والمسالك البولية المعروف، وصاحب المقالات الجريئة الساخرة، أعجبه جدا ما كتبت، ووصف المقال بأنه شبعان، مليان حكم وتحليل منطقي، وحذر بقوة من البيع المجاني، وقال إن السودانيين عاطفيون حتى في خيارات الوطن، وكذلك الأستاذ المصرفي المعتق أحمد عبد العزيز أعجبه كثيرا المقال، ووصفه بكلمة يستخدمها كثيرا صديقنا الفنان مجذوب اونسة، وذكرها ثلاث مرات لوصف المقال، فكتب (برافو برافو برافو) ول (برافو) حكايات طريفة مع الفنان مجذوب اونسة، والأستاذ أحمد عبد العزيز هو الشقيق الأصغر لأستاذنا الشاعر الأديب إبراهيم عبد العزيز الذي درسنا في مدرسة عاصمة كردفان المتوسطة بالأبيض، وهو مؤلف رواية (لا تؤرق صمتي) وشاعر القصيدة المشهورة (لمن الشموع)، والأستاذ أحمد رجل نصيحة، وكثيرا ما كتب للرئيس السابق المشير عمر البشير يناصحه، وكان قد دعاه إلى حل الحكومة، وتكوين حكومة كفاءات وطنية قومية انتقالية واعفاء كل الولاة، ولكن لم تجد مناصحته أذنا صاغية.
أخونا الهادي سعيد ابن مسقط رأسي مدينة (أم روابة) عروس النيم كتب تعليقا أنشره كاملا، ولكن قبل نشر التعليق لا بد من الوقوف عند رسالته الحزينة الباكية لحال مستشفي أم روابة، والذي كان قد توقف تماما عن العمل واستقبال الحالات لانعدام مال التسيير تماما، فلم يجدوا حتى ما يشترون به كهرباء للمستشفى، وتلك فرصة لمناشدة المسؤولين في الولاية ابتداء من المدير التنفيذي للمحلية، وحتى الوالي الأخ الأستاذ خالد مصطفي والي ولاية شمال كردفان، وهو دعوة أيضا لكل أخواني أبناء عروس النيم في الداخل والخارج، وهو فرصة أيضا لأجدد عهدي ووعدي لأهلي الأقربين بالوقوف معهم في مقدمة صفوف الساعين لإعادة تأهيل مستشفي أم روابة ليصير بإذن الله تعالي إلى مصاف المستشفيات الحديثة. ونعود لرسالة أخي الهادي التي يقول فيها (أسعد الله صباحكم أخي جمال .. موضوع قيم وحساس، وتناوله يمثل درجة الوعي التي اجتاحت الساحة السودانية من الحرية وتسليط الضوء على مواضيع تساعد في تطور الوطن. من وجهة نظر متواضعة يمكن تقسيم الرد إلى جزءين،
أولهما: التطبيع مع إسرائيل، وهو موضوع شائك ومعقد، ولقد بدأ منذ اللحظة التي تم فيها التخلص من النفوذ الإيراني في السودان، وما تبعه من محاولات لعدد من الدول الإقليمية والعالمية إيجاد موطئ قدم لهم في منطقة البحر الأحمر من خلال السيطرة على ميناء بورتسودان، وتبعه منح النظام السابق قاعدة بحرية لروسيا، ونسبةً للموقع الاستراتيجي لموانئ السودان دفع بالكيان الإسرائيلي العمل في كل الاتجاهات لإبعاد الكيانات المعادية له من المنطقة والتخطيط لإعادة العلاقات السودانية الأمريكية بغرض حصول القوات الأمريكية على قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وبالتالي تحقيق الشرق الأوسط الجديد MENA التي تخطط له الإدارات الأمريكية بالتعاون مع إسرائيل.، من هنا يبرز الوتر الذي يستطيع السودان العزف عليه “التفكير السوداني”
ثانياً: التفكير السوداني العقيم، وأتفق معك كثيراً على عقم التفكير السوداني، وهو من طيبة أهلنا السودانيين بكل أطيافهم، ويمكنك تلمس ذلك في نواحي كثيرة لا أرغب الخوض فيها، ولكن الآن أمامنا فرصة تاريخية للاستفادة من التخطيط الأمريكي الإسرائيلي لبناء الشرق الأوسط الجديد ودراسته دراسة تحليلية لمعرفة الفرص التي يمكن من خلالها بناء استراتيجية سودانية للحصول على ما يفيد الدولة السودانية مادياً وموقعاً استراتيجياً في هذه الرؤية لنتقدم على كل دول المنطقة إذا استطعنا تطويع ذلك لصالحنا، أعلم بأننا سوف نكون قد غيرنا التفكير السوداني الساذج إلى تفكير سوداني يستفيد من أية فرصة لاحت لنا. ونستطيع بناء سودان معافى في المستقبل القريب ترثه الأجيال القادمة.
ولتحقيق ذلك يجب أن نفكر بترو وهدوء بعيدا عن الضوضاء، ومن ثم بناء وطن معافى من القاعدة إلى القمة، أي من الحي أو الفريق مروراً بالمدينة والمنطقة والولاية ثم السودان الجديد الذي نطمع فيه. والحديث عن ذلك يطول ولكنه قمة مثلث الحاجات التي وردت في نظرية تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات الإنسانية التي تتكون من خمس خطوات لبناء الهرم من القاعدة إلى القمة أو العكس وهي (الحاجات الفسيولوجية “الجسدية”، حاجات الأمان، الحاجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى