ابوعاقلة محمد اماسا يكتب : حكاوي من الجبال

الحاكم نيوز

 

إبنتي الصغرى (لميس)، أبت ذات مرة إلا أن ترافقني في رحلة البحث عن مكان تتوافر فيه شبكة إتصال سوداني أو زين لإجراء إتصال بأحد أصدقائي بالخرطوم، وفي الغالب نذهب إلى هذا المكان.. وفي حضن هذا الجبل الذي يفصل منطقتي كلارا وتندية في جبال قبيلة (أما).. وهذا الجانب المنخفض من سفح الجبل إسمه (دينر).. كان في يوم من الأيام مكتظاً بالسكان قبل أن يتحول إلى أجمة من الشجر والحجر.. المهم أننا أجرينا إتصالاتنا ولم نفوت فرصة إلتقاط لقطات للذكرى.
في المرة الثانية كانت (لميس) مرافقة لوالدتها وشقيقتها (لين) وشقيقهما (يوسف) لذات المكان والغرض، إجراء إتصال مع جدتهم للإطمئنان عليها، وعندما اقتربوا من المكان فوجئوا بثلاثة قرود يحتلون المكان نفسه بأريحية تامة، فكانت نشوة تعبر عن قمة السعادة للأطفال لأنهم إلتقوا بالسيد القرد للمرة الأولى على الطبيعة ووجهاً لوجه، فقد إعتادوا على مشاهدته في قناة ناشيونال جيوغرفيك، وظل الحدث موضوع ذلك اليوم، حتى تحركنا في اليوم التالي في زيارة لكلارا، قرية جدي لأمي وأهل زوجتي، وفي جبل كلارا الضخم تعيش قرود (الشمبانزي) بكثافة، وعرفت من خلال زيارتي هذه أن عددها قد تراجع بسبب القصف المستمر بالطائرات أثناء العدوان البغيض، ثم بدأ في التزايد مجدداً بعد الهدنة ووقف إطلاق النار بين الحركة والحكومة، وبعد عامين من توقف العمليات.
* العلاقة بين (شيتا) جبل كلارا ومواطن القرية ليست طيبة، وليس بينهم أي نوع من الود، بل تعتدي الشمبانزي على مزارع وحيوانات الأهالي بإستمرار، ومازلت أذكر منظر إحداها وقد خطفت دجاجة من بيت جدي (سورين) عم والدتي رحمهما الله ذات صباح من صيف ١٩٩٠، لذلك، عندما تبدأ الكلاب في النباح بصورة مستمرة وفي وقت واحد يتنبه السكان إلى أن هذه الكائنات قد جلست تراقب حركة البيوت، فيحمل الرجال بنادقهم وأسلحتهم ويحولوا بينها وبين النزول لخطف أي من الحيوانات الأليفة، فقد أصبحت تتخير الفرائس مؤخرا، وتفضل الضأن عن الماعز، والحملان الصغار على الكبار.. وعندما تيأس من الحصول على شيء تواصل مسيرتها شرقاً نحو قرية (كرمتي) حيث مورد من الماء في أعلى الجبل فتشرب وتعود إلى حيث أتت.. وتلك الرحلة يومية في مثل هذه الأيام، ولما كان منزل بن عمي جعفر كركون متاخماً للجبل كانت فرصة رؤية هذه الكائنات متاحة لأبنائي الصغار، وتجربة مثيرة جداً وستظل خالدة وعالقة بإذهانهم، فهي المرة الأولى التي رأوا فيها فوجاً من قرود الشمبانزي يتنقل بين الصخور والشجر في مشهد يمثل قمة الإثارة ومزيج من الخوف الممتع وذكريات ستظل في أذهان الصغار.
* جبال النوبة، أو حالمات البقاع ذاخرة وغنية بالمظاهر الطبيعية الخلابة، ورغم أننا لم نسافر إليها في الخريف، ولكن تظل هي ملهى الخيال ومرتع الجمال ومهد النضال وموطن الحب.. فالناس في بلدي يصنعون الحب.. وحين يتقابلون ينطقون بالسلام..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى