تأملات – جمال عنقرة – شرق السودان .. تصحيح مسار القضية (2-2)

الخرطوم الحاكم نيوز

رغم أني ذكرت في مطلع مقال الأمس أن أزمة شرق السودان ليست في المسار، وإنما في خروج قضية شرق السودان عن مسارها الطبيعي، ورغم أني أكدت ذلك في ختام المقال، وقلت أني في المقال التالي – وأعني مقال اليوم – أتحدث عن بعض الرؤي والأفكار التي يمكن أن تعيد القضية إلى مسارها الصحيح، ورغم ذلك اتصل بي كثيرون يسألون ويتساءلون هل أنا مع المسار أم ضده، وهذا يؤكد عمق الأزمة، ويؤكد ما ذهبت إليه من ضرورة مواجهة الواقع بقوة، وتقديم الحقائق بغير (دغمسة) ولذلك قبل الحديث عن الرؤي والأفكار التي نري فيها المخرج، لابد من مناقشة بعض المفاهيم التي تحتاج إلى تصحيح وتقويم.
وقبل ذلك كله هناك حدث قد يبدو عارضا، ولكنه من الأهمية بمكان تجعل الوقوف عنده واجبا، فيوم أمس الأول السبت، وبمبادرة من البروفيسور محمد الأمين أحمد رئيس مجلس أمناء كلية زمزم الجامعية التقت قيادات أهلية من شرق السودان يتقدمهم الناظران الكبيران سيد محمد الأمين ترك ناظر الهدندوة، والسيد علي إبراهيم دقلل ناظر البني عامر، في جلسة ود وتفاكر احتضنتها كلية زمزم، وشهدها عدد من زعماء الإدارة الأهلية بالبلاد الناظر أحمد أبو سن، وعدد من قيادات البطانة وشرق النيل من البطاحين، والشكرية، وغيرهم، وشارك في اللقاء الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة طالعدل والمساواة، وعدد مقدر من مثقفي وعلماء شرق السودان، وهذه خطوة تستحق الإشادة والدعم والمساندة، فمطلوب في مثل هذه المرحلة، ولمواجهة مثل التحديات العظيمة التي تواجه شرق السودان وأهله، مطلوب في مثل هذه الحالات أن يضطلع المثقفون والأكاديميون والعلماء بواجباتهم ومسؤولياتهم المجتمعية، وهذا ما فعله البروف محمد الأمين وصحبة، ثم أن الحميمية والمودة التي تقابل بها الناظران دقلل وترك مهمة لأنها تكون بمثابة برميل من الماء البارد يسكبانه علي نار الفتنة التي يسعي بعض الانتهازيين لاشعالها باسم القبائل، والقبائل منها براء.
ومن الأشياء التي أود أن أشير إليها أيضا حديث البعض عن حدود القبائل، فليس للقبائل حدود لا في شرق السودان، ولا في غير شرق السودان، فالشايقي الذي ولد وعاش في طوكر حقوقه كاملة في طوكر مثل حقوق الهدندوي الذي ولد وعاش في الجنينة، فعمنا سليمان دقق الذي تعود جذوره الي (نوري) في الشمالية، وله فيها (أطيان) و (سواقي) وطنه وحقوقه الدستورية والمجتمعية كلها في كردفان في عروس الرمال، في ابو قبة فحل الديوم التي يعتبر أحد رموزها وأعلامها، والأمثلة لذلك لا تعد ولا تحصي، وليس غريبا في شرق السودان ولا في غير شرق السودان أن تكون الأسرة الواحدة يحمل بعضها الجنسية السودانية، ويحمل بعضهم جنسيات بلدان أخري، وهناك قبائل معروفة في الشرق، وفي الشمال، وفي الغرب، وفي الجنوب، يتقاسم أهلها الإنتماء بين السودان وبين دول أخري، وليس في الأطراف وحدها، فيوجد هذا حتى الوسط، ويوجد حتى في أم درمان، البقعة مبروكة الإله والدين، فصديقنا الراحل المقدم صلاح عبد العال مبروك، الموردابي الأصيل، عمه لزم، وبعض أطراف أسرته يحملون الجنسية المصرية، ويعيشون في مصر، ولهذا السبب اختاره الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري أول وزير للتكامل في عهد مايو، فلا تعتبر منقصة، ولا طعن في الوطنية أن يكون جزء من الأسرة يحمل جنسية دولة أخري، ولكن الذي يحمل مثل هذه الجنسية يجب ألا ينازعنا ولا يشاركنا حقوقنا الدستورية.
وبالعودة لموضوع المسار، فليست القضية أن نثبت المسار كما يطالب أولياؤه، ولا أن نلغي المسار كما ينادي معارضوه، ولكن المطلوب أن نثبت ما حققه المسار من مكاسب، ونلقي في مذبلة التاريخ المشكلات التي جرها للشرق وأهل الشرق، ومشكلة المسار الكبري هي الفتنة التي نجمت عن اختلاف وجهات النظر حوله، وتضارب وتعارض المواقف والقرارات الحكومية بشأنه.
وكما هو معلوم أن مسار الشرق مهما اختلف الناس حوله، فلقد حقق بعض المكتسبات للشرق ولأهل الشرق، هذه المكتسبات يجب أن يتوافق الجميع علي المحافظة عليها، أما بالنسبة للذين وقعوا علي المسار، ويختلف حولهم الآخرون بين مناصرين ومعارضين، فحسب علمي المحدود أن كثيرين منهم لم يسعوا لذلك، بل بعضهم اضطرتهم إليه الظروف والتحديات اضطرارا، ولذلك لن يكون عسيرا أن يتراضي الناس علي صيغة تستوعب الجميع، ويمكن معالجة ذلك في مؤتمر مزدوج يفي بالأغراض كلها، مؤتمر يستجيب لمطلوبات المسار، ويحقق طموحات المعارضين له، وليس بالضرورة أن يسمي هذا المؤتمر باسم هؤلاء أو أولئك، المهم أنه مؤتمر لأهل الشرق، الذين مع المسار، والذين ضد المسار، وتكون المشاركة في هذا المؤتمر متاحة للجميع بغير عزل ولا تفضيل، ويحسم المؤتمر كل القضايا العالقة، بما في ذلك الذين يمثلون شرق السودان في كل مستويات الحكم الانتقالي.
ولنجاح مثل هذا المشروع يجب أن يقوم كل أهل الشرق بمسؤولياتهم كاملة تجاه أهلهم، وأرضهم مثلما فعل البروف محمد الأمين وصحبه، وأعرف كثيرين من أهل الشرق من كل المكونات بلا استثناء ممن يحسبون من أهل الحل والعقد، وأصحاب الرأي والمشورة، ومع هؤلاء، وقبلهم تخرج الحكومة بأجهزتها الرسمية وبثقلها، وجزي الله الذين كلفهم بعض الحاكمين لحل مشكلة الشرق خير الجزاء، وعلي الحكومة أن تقول لهم (سعيكم مشكور)
وتلك فقط مجرد أفكار أولية قد تفتح أبواب الحوار لحلول ناجعة لمشكلات شرقنا الحبيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى