تأملات – جمال عنقرة – الزعيم عبد الرسول النور .. وحزب الأمة العتيد

الخرطوم الحاكم نيوز
بحث لي أخي الزعيم المجاهد الحبيب عبد الرسول النور بمقال افتتاحي، ضمن سلسلة مقالات تشخيصية لوضع حزب الأمة، حزب السودان العتيد تحت عنوان (بين قوة الضعف، وضعف القوة) هذا هو الأول منها،
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنآ محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم..
(إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها..وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) صدق الله العظيم..
الحزب.. هم الجماعة ذات المبدأ الواحد والأهداف السامية التي تقود توجههم والمصالح العليا العامة والخاصة التي تجمعهم ويعملون معا لتحقيقها عبر قيادة ذات بصر وبصيرة وإرادة قاصدة وخبرة ومعرفة وكفاءة.. ولعل الحزب هو البيت الذي ذكره الشاعر الجاهلي.. الأفوه الاودي حين قال..
والبيت لا يبتني إلا وله عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد..
فإذا تجمع أوتاد وساكن
بلغوا الأمر الذي كادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم..
ولا سراة إذا جهالهم سادوا..
إذن الحزب مؤسسة عامة يملكها المؤسسون والمساهمون والأعضاء جميعهم فهم شركاء لا أجراء ولا رعايا، فهم الذين يقدمون من يقودون لقيادة الحزب وفق دستوره الذي يرتضونه ولوائحه المنظمة الملزمة واجاله المسماة ويتم تولى القيادة والمواقع المختلفة بالتبادل السلمي الديموقراطي الصحيح.. وأن معيار التنافس هو الولاء والانتماء والعطاء والبلاء والكفاءة والمقدرة والاستعداد لكل من سبق وصدق وصمد.. وأي معيار آخر مثل الموازنات والتسويات والترضيات والمعالجات.. ولا نقول المحسوبية والرضوخ لابتزاز مراكز القوى والضغط العائلي والمالي والجهوي والقبلي.. يحيل حزب الجماعة الفاعل إلى مؤسسة خاصة.. من أراد أن يبقى في الصفوف الخلفية.. إذا حضر لا يستشار وإذا غاب لا ينتظر.. فلا بأس أن يكون من عامة الجمهور.. وإلا فالباب مشرع على مصراعيه.. يفوت الجمال غير مأسوف عليهم!!
قام حزب الأمة.. وهذا هو الاسم الذي أطلقه عليه الآباء المؤسسون.. على بينة من أمرهم.. حزب لحمته وسداه.. فكر ومجاهدات الثورة والدولة المهدية.. التى وحدت عقول ووجدان أهل السودان ومشاعرهم فأصبحوا بمشيئة الله احبابا اخوانا اختلطت دماؤهم وارواحهم في سبيل الدين والوطن وقدموا تضحيات جسام ليس هنا مجال للتفصيل.. إذن أرضية الانطلاق راسخة مثل جبل الداير.. الما بنطلع لي زول..
لقد قيض الله لهذا الكيان داعية لا يشق له غبار وقائدا فذا بحجم تطلعات وآمال أهل السودان.. فجمع الشتات واحي الكيان واشاد صروح العمل والأمل ونفخ الروح في الأنصار فهبوا كطائر الفينيق من تحت رماد الانكسار والقهر والظلم.. أنه الإمام المؤسس الثاني.. ود المهدي عبدالرحمن الصادق الأمين.. طيب الله ثراه.. كان حزب الأمة الذي أعلن مولده أواخر مارس عام 1945م كأول حزب سياسي في السودان عبارة عن تحالف بين الأنصار وبعض المثقفين وبعض رجالات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية.. ولمزيد من الوضوح.. قال الامام عبدالرحمن كل انصاري حزب أمة.. وما كل حزب أمة انصاريا.. وظل كيان الأنصار رمانة الوزنة الحساسة في هذا التحالف الهش.. مثلا لقد ذهب كثير من زعماء العشائر إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي عندما اومأ لهم المستعمر بذلك.. ثم عاد معظمهم بلا تثريب .. لقد أدار الإمام عبدالرحمن الحزب الوليد من على البعد بالحكمة والرؤية.. يحس به الناس كهواء عليل ولا يرونه.. إذ لم تكن إلا الرعاية الأبوية الحانية.. فقد كان مجلس إدارة الحزب المنتخب هو المسؤول عن إدارة شؤون الحزب كلها.. وكان السكرتير العام الأميرلاي عبد الله بك خليل هو المسؤول التنفيذي الأول للحزب وهو الذي شكل أول حكومات الحزب في الديموقراطية الأولى.. 1956/1958م..
ولعل كثيرين لا يعلمون أن معظم القيادات التي قادت الوطن للاستقلال.. هم من أهلنا الحلفاويين والدناقلة والمحس .. إبراهيم أحمد اول وزير مالية للسودان وعبدالله خليل بك.. والمهندس عبدالرحمن عبدون عضو مجلس سيادة في الديموقراطية الثانية وداود عبداللطيف وزير دفاع واعلام.. الديموقراطية الثانية.. وميرغني محجوب ومحمد السيد عثمان.. والاميران محمد وعبدالله نقدالله وأمين التوم ساتي.. ومصطفي أحمد.. وغيرهم كثيرون.. وذلك قبل أن تكون المحاصصة والترضيات والمزاج الخاص هي المعيار المتبع.. هنالك كثيرون كانوا مع الإمام عبدالرحمن من الرجال العظام.. ولكنى وقفت عند من ذكرت.. لأن الحزب قد فقد كثيرين من أبناء وأسر هؤلاء البناة المؤسسين ومناطقهم.. بطرا بمن جاءوا صدقا أو رغبا أو رهبا..
إن الجري وراء الجافلات ينبغى أن يكون بعد التأكد من سلامة الواقفات.. وحتى لا يكون حالنا حال النعامة.. تدفن رأسها في الرمال لترى باحلامها لا بعينيها.. وتترك بيضها في العراء سفاهة وتحضن بيض أخرى..
لقد ظل الحزب العتيد والكيان الصامد قويان وعصيان على الإختراق.. تقبل الحزب الهزيمة الإنتخابية في أول انتخابات نيابية مفصلية كان الهدف منها تقرير المصير عام1953م.. لقد استطاع الحزب عبر تماسكه ووحدته الصلبة قيادة وقاعدة من الالتفاف على الهزيمة القاسية وتحويلها إلى نصر مؤزر بإقناع الأغلبية بتبني مطلب الأقلية البرلمانية المسنودة بالحشود الشعبية الزاحفة.. وإعلان الاستقلال التام من داخل البرلمان يوم19/ديسمبر 1955م.. وأن يسند شرف اقتراح إعلان الاستقلال لنائب حزب الأمة عن دائرة نيالا خالد الذكر عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة.. لقد كانت النفوس كبارا فتعبت في مرادها الأجسام.. لقد تحقق بالسلمية والعمل الدؤوب والمخلص ما كانوا يرونه مستحيلا ويراه الإمام عبدالرحمن وصحبه صعبا ولكنه ممكن.. لم ينسب الإستقلال لفرد أو فئة أو حزب.. ولكن الإمام عبدالرحمن هو أبو الاستقلال بلا منازع وحزب الأمة الذي هو حقق الإستقلال بجهوده بما فيها إقناع الآخرين بقبول الإستقلال ودفن دعاوى الوحدة المائلة إلى الأبد إن شاء الله..
لقد قام حزب الامة على أسس متينة.. عضوية منضبطة باشتراكات مالية منظمة.. وأمانة للمال معروفة ومستقلة.. من بين امنائها الشيخ مصطفى الأمين رحمه الله.. واعلام واعي وقوى عبر جريدتي النيل. والأمة.. وعبر صحفيين وكتاب كبار.. أمثال حسين الخليفة شريف وأحمد يوسف هاشم وقرشي محمد حسن.. وآخرين ناهيك عن الشعراء والمغنيين والمادحين والمنشدين.. والوكلاء والمندوبين.. لقد كان الحزب يمتع بشبكة تواصل واتصال فريدة.. الكل يحس بأنه راع في مجاله وهو مسؤول عن رعيته.. لقد كان ال بيت المهدي وبيوت خلفائه وامرائه وكبار الأنصار موضع الإحترام والتقدير والمحبة..
لقد أحال الإمام عبدالرحمن وخليفتاه وقيادات الحزب هشاشة التحالف الذي قام عليه الحزب إلى قوة مادية ومعنوية يعتد بها.. حتى صار أحد شعاراته.. حزب الأمة رمز القوة..
كانت تلك حاله.. يزوره في داره رؤساء الدول معارضا كان أو حاكما.. عبدالناصر في زمن الإمام الصديق.. والملك فيصل في زمن الإمام الهادي..
كانت تلك حالنا تسر الصديق وتغيظ العدا.. حتى أصابتنا عين حاسد إذا حسد..في عام 1966م فوقع الانقسام الشهير والكبير أثناء الديموقراطية الثانية التي نال فيها الحزب الأغلبية التي تؤهله للحكم كشريك أكبر في أي ائتلاف حكومي.. فوقع الانقسام وهو ما كان الآباء المؤسسون العظام يخشونه.. إذ أن ما فعله الحزب بنفسه لم يفعل الخصوم والأعداء به عشر معشاره.. وهو ما نعاني من بعض آثاره اليوم.. ولذلك قصة نرويها في حلقة قادمة.. بإذن الله تعالى وتوفيقه..
عبدالرسول النور إسماعيل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى