بعد…و…مسافة – مصطفى أبوالعزائم – هل نعيد تجربة أبريل 85 ؟

الخرطوم الحاكم نيوز
.لم يعُدْ لديّ ولدى الكثير من المراقبين للشأن السياسي في بلادنا ، أدنى شك بأن هناك من يريد أن يعيدنا إلى تجربة أبريل 1985م ، بعد أن نجحت الإنتفاضة الشعبية في الإطاحة بنظام الحكم المايوي من خلال إنحياز القوات المسلحة السودانية بكامل قيادتها للإنتفاضة الشعبية ، بقيادة القائد العام وزير الدفاع وقتها المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب ، رحمه الله وكامل الطاقم القيادي ، الذي شكّل المجلس العسكري الإنتقالي ، وقد أحد أهم قراراته وأخطرها ، حل وتصفية جهاز أمن الدولة في اليوم السابع من أبريل أي بعد مضي أربع وعشرين ساعة من إنحياز القوات المسلحة للإنتفاضة الشعبية ، ثم إعتقال ضباط جهاز الأمن والزّجّ بهم في سجن كوبر . وقد أشرنا إلى ذلك في مقال الأمس ، ونحاول اليوم أن نقف عند نتائج ذلك القرار الخطير ، الذي جاء نتيجة لضغوط بعض الساسة من أصحاب الحناجر العريضة ، وكان لبعضهم دوافع خاصة أو حزبية وما كانوا يأبهون للنتائج ، وها نحن نكاد نعيش ذات الأجواء بعد خمسة وثلاثين عاماً ، من خلال ذات المطالبات التي تدعو لذات الغرض بإسم إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية من جيش وشرطة وأجهزة أمن ، ومحاولة فرض هذا الأمر على منبر جوبا للتفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة التي حاربت نظام الإنقاذ وناوأته سنين عدداً لم تكسب خلالها خيراً ، بل خسرنا الأرواح الغالية والممتلكات وأهدرنا الموارد ولم نكسب إلا ضعف الدولة ومؤسساتها .
تعتبر أجهزة الأمن في بلادنا من الأجهزة القديمة ، لكنها لم تكن مستقرة طوال تاريخها ، وقد تأسس أول جهاز للأمن في العام 1898م بعد الغزو البريطاني لبلادنا ، إذ رأت الإدارة البريطانية أهمية إنشاء جهاز أمن متخصص لمواجهة مخاوفها من تجدد الدعوة للمهدية ، وهو ما حدا بالسكرتير الإداري البريطاني إلى إنشاء جهاز تحت إدارته ، أطلق عليه إسم القِسم المخصوص ، لمتابعة كل ما يهدد نظام الحكم وقتها ، ومع زيادة الوعي بين المواطنين تم التوسع في عمل هذا الجهاز الإستخباري ، وأصبحت هناك إدارة مختصة بعد الإستقلال في وزارة الداخلية من مهامها الرقابة على الصحف ، ومتابعة أنشطة بعض الأحزاب خاصة الحزب الشيوعي السوداني ، وما يسمى بالأنشطة الهدامة ، وعندما إنقلب العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري رحمه الله على الديمقراطية الثانية في الخامس والعشرين من مايو 1969م مسنوداَ باليسار و ما يُسمّى بالقوى الثورية والنقابات ، تم تكليف الرائد فاروق عثمان حمدلله رحمه الله ليكون وزيرا للداخلية ، وتمّ تعيين زيادة ساتّي رئيساً لجهاز الأمن يعاونه إثنان هما محمد أحمد سليمان ، وعبدالعظيم محمد عبدالحفيظ ، وأُوكِل لهما مسؤولية العمل الميداني والعمليات ، لكن الأمر لم يستمر كثيراً ،وحدث أن قام اليسار نفسه بالإنقلاب على الرئيس نميري ، في 19 يوليو عام 1971م ، ليتم فصل الأمن الداخلي عن وزارة الداخلية ، تحت مسمّىً جديد هو الأمن العام برئاسة السيد عبدالوهاب إبراهيم – رحمه الله – بدرجة وزير وقد جلستُ إليه عدة مرات خلال الأعوام القليلة الماضية ، وإستمعت منه للكثير وتمّ النشر في صحيفة أخبار اليوم التي كنت مستشاراَ للتحرير فيها ومسؤولاً عن إصدار عددها الأسبوعي ، وعرفت من الرجل أنه أجرى تعديلاتٍ كبيرة في أساليب العمل .
أما بالنسبة لإنشاء جهاز الأمن القومي فقد أُنْشئ أواخر العام 1969م بإشراف تام من الرائد مأمون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة الثورة ، وقد كان أحد منسوبي المخابرات العسكرية المميزين ، وكانت البداية من خلال مًسمّيينْ هما الأمن القومي والأمن العام ، لكن تم دمجهما عام 1978م ، تحت مسمىً جديد هو جهاز أمن الدولة ، وقد ضمّ عدة إدارات وأقسام ، مثل القسم السياسي وقسم المخابرات الخارجية ، والقسم الفني ، وقسم المراقبة ، وأقسام أخرى مثل التحرّي والسجلات والمعلومات والإدارة القانونية والشؤون المالية والإدارية .
كان جهاز أمن الدولة من أوسع أجهزة المخابرات نشاطاً في المنطقة والإقليم ، لكنه وبموجب القرار رقم ( 5 ) الصادر من القيادة العامة للقوات المسلحة ، أصبح في( خبر كان ) وتولت القوات المسلحة حراسته وحصر ما به من أسلحة وأجهزة إتصال داخلية وخارجية وكثير من المعدات والوثائق والمحفوظات ، لتبدأ مرحلة جديدة بعد إيداع كثير من ضباط جهاز أمن الدولة سجن كوبر ، لتبدأ مرحلة جديدة لاحقاً بإنشاء جهاز الأمن الوطني في عهد النّظام السّابِق لتولّي ملفات الأمن الداخلي ، وانشاء جهاز المخابرات الذي كان مكلّفاً بالأمن الخارجي ، إلى أن تم دمج الجهازين في جهازٍ واحد وتحت إدارةٍ واحدة بإسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني .
ترى هل ما حدث عام 1985 م يمكن أن يحدث الآن بعد أن تم تسميته بجهاز المخابرات العامة… ؟ لا نرى إن ذلك يمكن أن يحدث الآن ، وإلا نكون قد وقعنا في الخطأ مرّتين .. ولكننا نواصل إن شاء الله تعالى ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 + 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى