بُعْدٌ …و … مسَافَة – مصطفى أبوالعزائم – قفزة في الظلام ..(!)

الخرطوم الحاكم نيوز

عندما إلتقى ضباط جهاز أمن الدولة بمختلف رتبهم في العاشرة من صبيحة يوم الإثنين السابع من أبريل 1985م ، داخل مبنى رئاسة الجهاز ، المجاور للقيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم ، كان يدور بخلدهم كُلّ شيء عدا سماعهم لقرار صادر من المجلس العسكري الإنتقالي بتصفية الجهاز ، وإعتقال كُلّ ضباطه ، لكن كان ذلك ما سمعوه في ذلك الإجتماع من اللواء السِّر محمد أحمد ، المعروف في أوساط الضُّبّاط ومنسوبي الجهاز وغيرهم بإسم ( السِّر أب أحمد ) الذي أبلغهم قرار التصفية وإعتقال كل ضباطه .
ما كان لأحد من ضباط ذلك الجهاز أن يقف في مواجهة المد الثوري القوي ، الذي إستجابت له أعلى سلطة عسكرية في البلاد ، دون أن تدرس تداعيات القرار ونتائجه ، وكان لبعض الساسة وقادة الأحزاب مصلحة كبيرة في حل وتصفية جهاز أمن الدولة ، ليصبح هدفاً للإختراق وسحب الكثير من الملفات والأوراق ، ليس بحثاً عن معلوماتٍ أو حفاظاً على سريّة الأمن القومي ، بل كان لدى الكثيرين منهم لتغيير او إخفاء معلومات محددة ، وقد كان ذلك أيضاً مدخلاً لعددٍ من أجهزة الإستخبارات الإقليمية والدولية ، لتنتقي وتختار ما تريد من هذا الكنز المعلوماتي الثمين ، وكان كبار قادة جهاز أمن الدولة ،يرون إن قرار الحل والتصفية هو قرار متسرّع ، لكن لم يؤخَذ بآرائهم ، وأُوكِل للجنة مختصة أمر تصفية الجهاز برئاسة العميد وقتها الهادي بشرى ، وكنت قد قابلته وقتها داخل مباني وزارة الداخلية ، لمعرفة المزيد من التفاصيل لكنه رفض أن يدلي بأية معلوماتٍ ، رغم معرفته لشخصي ومزاملة أحد أشقائه لي في العمل بصحيفة الأيام . وكل الذي عرفته منه هو أن قوةَ عسكريّة من سلاح المظلات قادها العقيد _ وقتها _ عمر حسن البشير ، قد سيطرت على مباني جهاز أمن الدولة .
بالأمس القريب إتصل عليّ الدكتور ناجي علي بشير ، ينبهني إلى دور الرئيس السابق عمر البشير في تلك الأيام ، ويقول إنه ذكر أكثر من مرّة بأن ذلك القرار كان من أسوأ وأخطر القرارات التي تم اتخاذها ، لأنه كان قراراً متسرّعاً ، وقفت وراءه قوىً سياسية لتحقيق أهداف محددة .
ثم تواصل معي الدكتور مكي حسب ربه وهو أكاديمي وسياسي وقيادي في إحدى الحركات الدارفورية المسلحة الموقعة على إتفاقية الدوحة ، مشيداً بمحاولة التوثيق لتلك المرحلة ، مشيراً إلى أهمية التفرغ للمراجعة والمدارسة والبحث ، قائلاً إن هذه واحدة من فوائد الحجر المنزلي الآن . ومن أقاصي الدنيا في أستراليا تواصل معي الخبير القانوني الكبير مولانا صديق حاكم ، يؤكد أن هناك دوافع كثيرة تبرر التفكيك الحالي لكثير من مؤسسات الدولة ويقول أنه يختلف معي في التقييم والتقديرات ، ويطالبني وغيري من أصحاب الأقلام وقادة الرأي ، أن نساعد في أن تستعيد الخدمة العامة سيرتها الأولى قبيل أن تنالها التشوّهَات التي حدثت لها خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية ، إذ تحوّلت كثيرٌ من مؤسسات الدولة إلى مؤسسات حزبيّة ، وذلك ما يراه مولانا صديق حاكم على عكس ما أشرنا إليه من قبل بأن القوات المسلحة السودانية كانت وما زالت هي الحاضنة الوطنية الخالصة بعيداً عن تجاذبات المصالح الفرديّة والحزبيّة والطائفيّة والجهوية والمناطقيّة والشخصية .
رُبّما نكْتبُ غداً بإذن الله تعالى عن السّاعين لحل وتفكيك وتصفية جهاز الأمن والمخابرات الوطني الحالي ، ضمن إطار خادعٍ لامع يحمل إسم إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية من جيش وشرطة وأجهزة أمن ، هناك من يريد أن يُضْعِف ما تبقى من مؤسسات الدولة ، بإسم الثورة بدلاً عن المطالبة بتطوير أدائها وتفعيلها لتكون في خدمة الوطن والمواطن بعيداً عن المحاصصات الحزبية والسياسية ، وبعيداً عن خدمة أصحاب الأجندات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى