الرادار – ابراهيم عربي – (الثورة) … هجمة مرتدة ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
تباينت مطالب مواكب الثورة التي إنطلقت أمس السبت 19 ديسمبر 2020 في عامها الثاني بالعاصمة بلداياتها الثلاثة والولايات المختلفة ، تباينت مابين الدعوة لتصحيح المسار وإسقاط حكومة حمدوك ، وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في شعارها (حرية ، سلام وعدالة) وبعضها دعا لإسقاط العسكر وتكوين حكومة مدنية كاملة الدسم ، والبعض الآخر دعا للقصاص للشهداء ، وآخرون دعوا لتحقيق الحياة الكريمة للشعب ، وفئات أخري دعت لإسقاط مجلس شركاء الحكم الإنتقالي .
غير أن اللافت أن الدعوة جاءت هجمة مرتدة علي مكونات (قحت) لا سيما تجمع المهنيين والحزب الشيوعي السوداني خاصة ، إذ أحرق بعضهم علما للشيوعي وانطلقت الدعوة لإبعاده من المشهد السياسي وإتهامه بسرقة الثورة ، بينما دعا آخرون لسقوط حكومة حمدوك ووصفوها بذاتها حكومة الحزب الشيوعي وحملوا لافتات تندد بمنهج المحاصصات التي أدت لولادة حكومة ضعيفة فشلت في تلبية آمال وتطلعات المواطنين .
تلكم المواكب التي غلب عليها الشباب وضعفت فيها مشاركة الكنداكات ، تؤكد تباين المواقف وتعدد الإتجاهات وإنقسام الجهات الداعية للمواكب فيما بينها بدون تنسيق وفق إنقسام المكونات السياسية علي نفسها ، لاسيما مكونات الحرية والتغيير (قحت) والتي أفقدتها المواكب تفويض الشارع الذي ظلت تتمسك به ، في وقت لم ترصد فيه العدسات أي مشاركات للمحسوبين علي النظام السابق (الكيزان) أو الثورة المضادة كما يتهمهم البعض الذين ظلوا يدعون بصورة واضحة لإسقاط حكومة حمدوك ويتهمونها بالفشل والتمكين المضاد .
لكن من الواضح أن عمليات شيطنة الكيزان نفسها (الجوع ولا الكيزان) ما عاد شعارا يعالج إرتفاع التضخم لأكثر من 280% وتصاعد الدولار وهبوط الجنيه وضنك العيش وندرة السلع وإنعدام الخدمات مع تزايد الصفوف وتصاعد أزمات الرغيف والوقود والغاز والدواء وإنقطاعات المياه والكهرباء بالعاصمة والولايات ، أثبتت المواكب أن الحزب الشيوعي قد خسر الجولة مع شركائه (الثمانية) المفارقون للجماعة ، خسروا الجولة بالضربة القاضية بدعوتهم لإسقاط الحكومة بمكونها الرباعي (السيادي والتنفيذي والجبهة الثورية وماتبقت من شتات قحت) ، مما إعتبرها شركاء السلام دعوة ضد السلام نفسه .
خسارة الشيوعي للثورة التي إختطفها تبدو واضحة لكل مراقب من خلال التخبط والتباين والإنقسام الكبير وسط تصريحات قيادات وكوادر الحزب نفسه ، والتي تباينت مابين الدعوة لتصحيح مسار الثورة ، وإكمال هياكل الدولة والدعوة المعلنة والمسبقة لإسقاط الحكومة ، وقد بدت المخاوف تتصاعد في ظل حدوث بعض الإحتكاكات بين المتظاهرين الذين تباينت دعواتهم وأهدافهم بإختلاف تتطلعاتهم لا سيما بين قوي اليسار دعاة الإطاحة بالحكومة وشركاء السلام الذين ظلوا يدافعون عن السلام بقوة ويدعون لإصلاح الحكومة .
المؤسف أن مواكب الثورة وصلت حائرة وتائهة ما بين مجلس الوزراء والقصر الجمهوري وقبة البرلمان ولكنها تفاجأت بعدم وجود رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بالبلاد وقد غادرها الرجل إلي جيبوتي قبل ساعات من إنطلاق المواكب مترئسا دورة قمة دول الإيقاد الحالية اليوم ، رغم أنه وعد لجان المقاومة في إجتماعهم الأخير معه بإستلامه مذكرتهم التي تحوي مطالب الثورة ، إعتبرها الثوار تجاهلا وعدم إهتمام حمدوك بالثورة ومطالبها ، بينما إختفي الوزراء ودس بعضهم رؤوسهم في الرمال ومثلهم المسؤولين بالسيادي .
إلا أن الغريب في الأمر أن الدكتور عبد الله حمدوك ومكتبه الخاص بمجلس الوزراء أخفوا زيارته عن الجميع حتي داخل مؤسسات مجلس الوزراء نفسه لماذا ؟ لا أدري ! رغم إنها زيارة معلومة ومحددة سلفا ،وتلك ليست المرة الأولى فقد تعددت محاولات تهرب رئيس مجلس الوزراء دون مخاطبة الثوار ، ربما لتحسبات أمنية ومخاوف من تفلتات جعلته يختفي بعيدا منذ المحاولة الفاشلة التي لازالت محل شكوك .
وليس ذلك فحسب بل ما يثير الإمتعاض أن الثورة نفسها إختطفت ذكري إستقلال السودان المجيد ، وإذ يصادف اليوم 19 ديسمبر ذكري الإستقلال من داخل البرلمان في وقت إجتمعت فيه كلمة القوي السياسية والمجتمعية وإذ توحدت أهدافهم لأجل إستقلال السودان ، بينما تعاني بلادنا اليوم إختطاف ثورة ديسمبر وفرض الوصايا من قبل المحاور ، وتدخلات أمريكا وإستلابها قرار السيادة الوطنية السودانية ، في ظل (برطعات) بريطانيا التي ظل سفيرها عرفان صديق يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة بالبلاد سيدا عليها ، ويبدو أن حكومة حمدوك الإنتقالية قد رهنت قرارها للمجتمع الدولي ووضعت البلاد تحت بوتها وحكمها ووصاياها  .
مع الأسف ضاعت إستحقاقات الديمقراطية بين تقاطعات المصالح وأهواء القوي السياسية التي فصلت الثورة علي مقاسها وتريد الإستفراد بالحكم دون دفع تكاليف الحقوق الأساسية (الإنتخابات) وقد تغافل هؤلاء أن وجود الأحزاب والقوي السياسية أساسا للديمقراطية والتي لن تتأتي دون وجود منافسة قوية يشارك فيها الجميع دون عزل لأحد متفقين علي برنامج وطني ديمقراطي يأتيه كل بكسبه وعطائه لأجل الوطن والمواطن .
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى