دكتور محمد عبدالقادر سبيل يكتب: إصلاح الاحزاب قبل اصلاح الجيش

الخرطوم الحاكم نيوز

ما ازال اثق في جيشنا وما ازال احتفظ له بالعرفان ازاء ما اسداه لشعبنا من معروف حينما انتزع من المستعمر وعداً جاداً بمنح السودان حق تقرير مصيره تمهيداً للاستقلال، نظير بلاء حسن في الحرب العالمية الثانية، وقد كان.
ومنذ ذلك اليوم بقي الجيش السوداني الشهير بالشجاعة والكفاءة العالية ذا صيت عالمي بلغ نابليون بونابرت وبقي على العهد خادماً للشعب وحارساً منافحاً عن الأرض والعرض.

ولو ثبت خلل او زلل له فما افسده إلا بعض ساسة الاحزاب.
أقول ذلك لأن الفريق ابراهيم باشا عبود ما حدثته نفسه بالتطلع الى حكم البلاد رغم ان حكم العسكر كان سمة غراء وسمت حقبة التحرر الوطني التي سادت دول افريقيا خلال الخمسينات والستينات .. إلا ان حزب الامة ممثلاً في رئيس الوزراء عبدالله خليل هو الذي طلب منه القيام بالواجب واستلام السلطة لأن البلاد مقبلة على الفوضى والنزاع السياسي المدمر على حساب مصلحة الشعب والوطن باسم الحرية الديمقراطية.
وفي نهاية الستينات ضاقت احزاب ذرعاً بالحرية والديمقراطية فتحالف اليسار ممثلاً في الحزب الشيوعي والحزب القومي الناصري على الانقلاب فقاما باسقاط السلطة الشرعية واسقطا الدستور واستوليا على السلطة التي تنازعا حولها نزاعاً دامياً لاحقاً بما يعني انهما ظلا طوال الوقت يغذيان الجيش ببذور فساده وفقدان حياده عبر خلاياهما السياسية السرية الكبثوثة في ثناياه.
وهنا لابد ان اتوقف لأسال الشعب السوداني كم منا كان يستشعر ان نظام مايو كان نظام الحزب القومي الناصري. نعم نميري وبابكر عوض الله رئبس الوزراء ومحي الدين صابر وزير التربية وعمر الحاج موسى وخالد حسن عباس وكثيرون غيرهم كانوا ناصريين حكموا السودان بحزب اوحد هو الاتحاد الاشتراكي ودمروا الجزيرة ابا بطائرات زعيمهم الجنرال جمال عبدالناصر عام 1970 الذي من جانبه سيس الجيش المصري.
فكيف للاحزاب اليسارية ان تتحدث الآن عن تسييس و افساد الجيش السوداني بوصفه خطيئة لا تحتمل وهم قد سبقوا الاسلاميين الى ذلك؟.
وفي 1989م استمر مسلسل استهداف الاحزاب السياسية للجيش السودانية وتقويضهم لحياديته فكان انقلاب الجبهة الاسلامية القومية بقيادة د.الترابي أول سوداني يحصل على الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السوربون الذي قوض الدستور وتمادى في اساليب استتباع المؤسسات القومية لمؤسسات الحزب فكان تمكين عناصر الحزب من الجيش والامن الوطني والشرطة ظناً منه بأن ذلك نهاية مطاف دولة الشعب ولكن هيهات. فقد كان الترابي اول من دفع ثمن التمكين واحتكار الجيش وكان البشير ضحية خصخصة الأمن وشرعنة المليشيات الخاصة.
ولن نبرح حتى نتساءل هنا عن مصير البلاد ما عسى ان يكون فيما اذا نجح انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي الشهير في بدايات عهد الانقاذ؟
هل كان امامهم سوى نموذج صدام حسين الذي جاء بانقلاب مماثل؟ ام كانوا سيفعلون ماهو افضل مما فعل الناصريون في نظام مايو او الاسلاميون في عهد البشير.. منطقيا لم يكن امامهم سوى القمع والتمكين عبر جنرالات الجيش المسيسين والسبب هو عدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة تحمل فكر ومشروع البعث الاشتراكي.
والحال…. فلا يزايد حزبي على الوفاء للدستور الديمقراطي واحترام المؤسسات القومية او ضرورة حيادية الجيش وانصرافه نحو مهمته الاساسية.
فلا احد منهم الا و يريد ان يمتطي السلطة ويقودها وحده بواسطة الجيش فإن فعلها غيره لعنه ولعن الجيش وشكك في ذمته وسعى الى خرابه.

من هنا نقول .. لن ينصلح حال الجيش ويبقى محايدا منشغلاً بوظيفته الا اذا انصلحت الاحزاب وتركت الجيش وشأنه وهذا لا يتأتى الا بالقانون الرادع الذي يجرم المجلس القيادي لأي حزب ينكشف وجود خلية منه داخل الجيش. على ان تكون التهمة هي الخيانة الوطنية العظمى والسعي لتقويض الدستور.

د. محمد عبدالقادر سبيل
الامارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى