رئيس الهيئة القومية للمبادرات الوطنية : غياب المهدي سيعطل الممارسة الديمقراطية

شرف الدين محمود
غياب الإمام الصادق المهدي سيعطل الممارسة الديمقراطية والفكر الحكيم في العمل السياسي.

رحيل الإمام أحدث فراغ كبير في البلاد و حزبه والطائفة .
الهيئة قامت بتقديم مبادرات للمجلس العسكري فيها مقترحات لمؤسسات الحكم حتى نعبر بالمرحلة الإنتقالية.
مجيء الجبهة الثورية أحدث حراك كبير ألقى بظلاله على المشهد السياسي.
مجلس شركاء الحكم شكل من غير توافق والبيانات التي صدرت تؤكد أن الحالة السياسية بحاجة لإصلاح منهجي.
الخلاف حول المجلس يدل على أن الإتجاه السائد هو إحتكار السلطة والهيمنة على القرار السياسي.
قرار التطبيع مع إسرائيل يعود للشعب السوداني وليس من حق الحكومة الإنتقالية أن تقرر فيه.
تعتبر ( الهيئة القومية للمبادرات الوطنية ) أحد أذرع منظمات المجتمع المدني الفاعلة في الشأن السياسي والمجتمعي والإقتصادي من ناحية فنية ، حيث درجت على عقد الورش والسمنارات المتخصصة في السياسة والحكم والإقتصاد والأمن والمرتكزات الوطنية ، وحرياً بنا ونحن نعرف بها أن نشير إلى ربانها الأستاذ شرف الدين محمود صالح ، حيث خاض الرجل تجربة حمل السلاح حيناً من الدهر وجنح الآن إلى السلم فعلاً وعملاً وإيماناً منه بدور الحوار في تقريب وجهات النظر والخروج بالبلاد من منعطفها الخطير هذا ، جلسنا إليه متناولين معه قضايا السلم والأمن والسياسة والحكم والإقتصاد ومعاش الناس والعلاقات الخارجية وكان نتاج ذلك هذا الحوار.
حوار : الرشيد أحمد – أخبار اليوم
تعطيل الديمقرطية
فقدت البلاد مؤخراً أحد أعمدتها السياسية وهو الإمام الصادق المهدي كيف تنظر لأثر غيابه عن المشهد السياسي ؟
دعني فى البدء أعزي نفسي وحزب الأمة وطائفة الأنصار والشعب السودانى والإنسانية جمعاء فى فقدان الإمام الصادق المهدى نسال الله القدير أن يتغمده برحمته ويدخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وأن يلزم أهله وأسرته والإنسانية جمعاء الصبر والسلوان وحسن العزاء .
لاشك إن إفتقاد الإمام خسارة حتمية للعقول المستنيرة و الفكر الحكيم فى الممارسة السياسية وكذلك غيابه قد يعطل الشوفونية فى ممارسة الديمقراطية وتأصيل حكم الشعب عبر الصندوق ورسالة للخصوم السياسيين بأن الدنيا لن تبقى لأحد وأن الحياة منحة الله للعباد تنتهي في أي وقت وأن السمة الحسنة التى ينبغى أن تسود هي العمل الصالح الذى تستفيد منه الإنسانية فى تحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة .
قيادات جديدة
هل هنالك من هو أهلاً لسد الفراغ على مستوى حزب الأمة وطائفة الأنصار؟
أعتقد أن غياب الإمام قد يسبب فراغ كبيرة فى حزب الامة وطائفة الانصار كما فى السودان جميعا لمواصفات الإمام بإعتباره شخصية فكرية وسياسية جمع بين الفكر والتأصيل الإسلامى وممارسته السياسية على سقوفات الديمقراطية ولا شك أن سماته تطرأ على رفاقه فى حزب الأمة وليس بالقدر المتطابق بل المقبول و المثل السودان الذي يقول (حواء ولادة) يزرع الأمل وقد يخرج على الساحة أبناء الإمام ورفاقه وتلاميذه بقدر من السمات المشتركة كما أن حزب الإمة جدير بان بإخراج قيادات بمواصفات الصادق المهدي.
مؤسسات الحكم
ماهي جهودكم في الهيئة القومية للمبادرات الوطنية في تحقيق السلام ؟
الهيئة القومية في الأساس منظمة مجتمع مدني تعنى بتقديم المبادرات والدراسات وتتفاعل مع القضايا الوطنية بصورة إيجابية ومن أهدافها تحقيق السلام وتوطينه في ربوع السودان ونشر ثقافة المحبة بين السودانيين.
قامت الهيئة منذ بواكير عملية التغيير بتقديم مبادرة مكتوبة للمجلس العسكري الانتقالي شملت مقترحات لمؤسسات الحكم وهي ذاتها القائمة الآن من مجلسي سيادة ووزراء إنتقاليين وبرلمان إنتقالي بعدده الراهن (٣٠٠) عضو بمشاركة كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني بحيث لا يقصى أحد وذلك للعبور بالمرحلة الإنتقالية لإنتخابات عاجلة وعدم إنفراد تيار سياسي محدد وتربعه على المشهد السياسي .
و في إطار جهود الهيئة لتحقيق السلام الشامل نظمت ملتقى في رمضان المنصرم ضم كوكبة من أبناء السودان وطرحت من خلاله كتيب من( 16) ورقة بعنوان الطريق إلى سلام عادل وشامل ومستدام نحو وطن يسع الجميع وقدمنا هذا المشروع لكافة الحركات المسلحة والمجلس العسكري الإنتقالى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى بحيث يكون تحقيق السلام الشامل أحد اولويات المرحلة الإنتقالية ، و هذه المبادرات الهدف منها المحافظة على أمن وإستقرار البلاد في ظل الظروف الجديدة بحيث يتم إستتخدام فلسفة ( فلنكسب جميعاُ ) بإعتباره شعار عملي فى سلوكنا السياسي الذي يؤسس لوطن آمن ومستقر .
وعندما يكسب الكل ويروا الوطن ينهض إلى الإمام ذلك المأمول كما أن فلسفة الكسب المنفرد قد تعيد الأزمة وتبخر أحلام الجماهير.
إنهاء الشمولية
ماهي جهود الهيئة للإنتقال من هذه المرحلة إلى الديمقرطية ؟
من خلال مباديء الهيئة وقيمها نحو تعزيز المرتكزات الوطنية فى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة تسعى جاهدة في إنهاء حالة الشمولية الحزبية على الدولة وتفكيكها لصالح الديمقراطية وذلك بتكثيف وسائلها التوعوية للشباب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع والمكونات الإجتماعية وإستنهاضها بحيث تصبح العقلية السائدة فى المشهد السودانى قائمة على مفهوم الديمقراطية في الحكم بحيث تضع حداً للثقافة الحالية (احتكار السلطة ) وقطع الطريق أمام الإرث السياسي الموروث لتجنيب البلاد ثقافة (إتلاف القبائل فى الحكم ) بدلاً عن الدولة القومية وهذا الأمر حذرنا منه حتى لا تصبح الدولة دولة إتلاف القبائل والتجارب الإفريقية خير دليل على فشلها.
قضايا مطلبية
عادت الحركات المسلحة إلى الداخل وأحدثت حراك سياسي كثيف كيف تنظر له ؟
نرحب بقدوم قيادات الجبهة الثورية للسودان ونثمن دورهم في الثورة بإعتبارهم رفاق سابقين صبروا على النضال لسنين سحيقة وكللت مساعيهم بنجاح الثورة والتوصل إلى السلام.
مجيء الجبهة الثورية الداخل أحدث حراك سياسى وإجتماعي كبير ألقى بظلاله على المشهد السياسى والإجتماعى وأضاف قيم جديدة نظر إليها الخصوم والمراقبون بانها معتدلة في السلوك السياسي وخاصة فيما يتعلق بمواقف بعض قيادات الجبهة التي تشير إلى أن السودان لكل السودانيين وأن العدالة لا يمكن أن تسود إلا بالقضاء وتبنيهم موقف رفض خطاب الكراهية السياسية وعدم تطرقهم للقضايا الفكرية محل الخلاف مثل العلمانية وفصل الدين عن الدولة وقد يتفق معهم جميع السودانيين فيما يخص القضايا ذات الطابع المطلبي فى إطار التنمية وإزالة التهميش بخلاف قوى الحرية والتغيير التى إهتمت بمراكز الخلاف الفكري لكن الحلقة المفقودة فى خطاب الجبهة الثورية هي لم الشمل السوداني والتوافق السياسي الشامل الذى يجمع كافة السودانيين وقواه الحية وذلك بإجراء مساومات تأريخية تفضي إلى مصالحات شاملة .
تكتيك سياسي
كيف ترى الواقع السياسى الحالي فى ظل الخلاف بين شركاء الفترة الإنتقالية ؟
تتطلب إدارة الفترة الإنتقالية تناغم سياسي بين الأطراف وكان ينبغي أن تشمل أطراف الفترة الإنتقالية كافة المكونات السياسية والمجتمعية أو أطراف محايدة بحيث تكون فترة محددة تعقبها إنتخابات عامة لكن مع تراكمات الأخطاء التأريخية وخصوصية المشهد الحالي يتطلب هذا دفع فاتورة السلام .
لكن ما له ينظر بعين الإعتبار على شكل الخلافات القائمة في إعلان تشكيل مجلس شركاء الفترة الإنتقالية تصب في خانة التكتيكات السياسية والإجرائية بحيث أن أي طرف يسعى للحصول على التمكين وهذه كلها مؤشرات خطيرة قد تضع عملية التحول الديمقراطى في (فتيل) مالم يتحرك الجميع ويتفاعل مع المشهد السياسي بالإنفتاح أو ب (الصبة).
مصلحة البلاد
تكوين مجلس شركاء الفترة الإنتقالية خلق أزمة حادة بين مكوناته ؟
ترتب على إعلان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي تشكيل مجلس شركاء الفترة الإنتقالية والمرسوم التفسيري الذي وضح بموجبه صلاحيات المجلس أزمة بينه والحكومة الإنتقالية على مستوى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وبعض مكونات قوى الحرية والتغيير والأطراف التي خرجت منها مثل الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وهذا كله يدخل فى عدم الرضا عن بعض أعضاء المجلس الذي تم من غير توافق حسب ما يتداول من تسريبات كما أن تفسير المادة التي أعطت المجلس أن تكون موجهة للفترة الإنتقالية فسرها رافضوها بإعتبار أن هذا الجسم قد يكون أحد مؤسسات الحكم وقد تتعدد القراءة السياسية والقانونية حولها ، لكن من المهم الإشارة إليه بأن أطراف السلطة الإنتقالية يستخدمون التكتيكات والمماحكات وكل طرف يريد تعزيز نفوذه و العامل الدولي الجديد الذي صاحب التغيير في الولايات المتحدة الأمريكية بفوز تيار حقوق الإنسان والعلاقات الخليجية الجديدة كلها مؤشرات ربما تلقي بظلالها على المشهد القائم حاليا.
و البيانات التي خرجت تباعاً من بعض أعضاء مجلس السيادة المدنيين وأطراف متعددة من أحزاب تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير تؤكد أن الحالة التنظيمية والسياسية في البلاد بحاجة لإصلاح منهجي وأن المسئولية الأخلاقية تجاه البلد أصبحت فرض عين على كل سوداني حادب على البلاد.
فض الشراكة
هل يعصف المجلس بما تبقى من روابط بين شركاء الإنتقالية ؟
الخلاف حول المجلس يتطلب التوافق الكامل بين مكونات السلطة الإنتقالية لمعالجته فيما يلي الإختصاصات والأعضاء وكان من المأمول أن يضم أطراف سياسية أخرى من غير الحالية على معيار دعم الفترة الإنتقالية وإتفاق السلام وحسب علمنا من مصادرنا أن قيادات الجبهة الثورية طالبت بإشراك المكونات الأخرى لكن تحفظ الطرفين الأخرين من هذا المطلب ( المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير ) وهذا يدل على أن الرغبة في مشاركة الآخرين غير واردة وأن الاتجاه القائم هو محاولة لإحتكار السلطة والهيمنة على القرار السياسي وقد تتباين المواقف و ربما يكون الأمر على إفتراضين هما فض الشراكة وهذا إتجاه ضعيف لعدم توفر الرؤية الداخلية والخارجية والآخر إعادة تشكيل الموقف بالتحالفات وإدخال قوى سياسية جديدة في المشهد.
معالجة المشاكل
ماذا عن الوساطة الأفريقية في هذه الأزمة ؟
أعتقد أن المثالية تكمن في قدرة السودانيين على معالجة مشاكلهم بأنفسهم ولماذا نلجأ دائماً لوسيط من الخارج هل نحن بإعتبارنا قيادات لدينا كسل فكري أو عاطلين عن الإنتاج أم لا نتمتع بالكفاءة الروحية والعقلية السليمة ، وهل نحن نفتقد الخيال والإبداع فى الإبتكار ولماذا كل خلاف سوداني يحتاج لوسيط من الخارج .
الصراع المسلح قد يشرعن فيه الوسيط الخارجى قدراً ما أما السياسي ليس من الحكمة تدويله أو البحث عن وسيط خارجى ومهما يكن من الأمر دائماً تتسارع الدول في إستخدام أي خلل لشرعنة دخولها لوجود موقع قدم لتنفيذ أجندتها وأطماعها .
مباحثات مشتركة
ماذا عن زيارة وزيري الخارجية السعودي والارتيري للبلاد؟
زيارة وزيرا خارجية إرتريا والسعودية للسودان فى هذا الوقت ربما هنالك قضايا فى موقع إهتمام مشترك لهذه الدول بإعتبارها دول جوار للسودان تتأثر سلباً وإيجاباً بما يدور فيه والعكس كذلك الأوضاع في إثيوبيا وأرتريا على خلفية الحرب المشتعلة على جهة التقراي على الحدود السودانية قد تكون أبرز أوجه المحادثات بين الأطراف الزائرة والخرطوم وأيضاً قضية سد النهضة الإثيوبى و الترتيبات الإنتقالية في السودان ورعاية السعودية لإتفاق سلام جوبا جميعها إحتمالات للزيارة .
القيم السودانية
ماهو موقف الهيئة من التطبيع مع إسرائيل ؟
التطبيع مع إسرائيل أو عدمه هو قرار الشعب السوداني وليس من حق السلطة الإنتقالية أن تقرر فىه موقف و مبدأ التطبيع يتنافى مع القيم السودانية والإلتزامات الدولية بشأن القضية الفلسطينية وتعتبر دولة اسرائيل قاهرة للشعوب وسجلها متسخ في مجال حقوق الإنسان و التطبيع معها نكسة أخلاقية و لا يعود بالخير للمواطن السوداني وشواهد الدول المطبعة معها في الإقليم المجاور لم تبشر بخير كما أن شعوبها أكثر فقراً ويهاجرون للسودان لطلب الرزق ، وهذا موقف الهيئة من حيث المبدأ حول العلاقة مع اسرائيل .
أما ما يتعلق بالتوجه السياسى للسلطة القائمة ربما محاولة سياسية تهدف تكتيكياً لجعل الزخم الإسرائيلي وسيلة لرفع العقوبات ولائحة الدول الراعية للإرهاب وذلك للإستفادة منه في علاقتهم بالولايات المتحدة وقد يكون التقدير مفتوح لكافة الإحتمالات.
علاقات متوازنة
وفق ما يجري كيف ترى عودة السودان لحضن المجتمع الدولي؟
السودان موجود في الأسرة الدولية وله سفارات في عدد مقدر من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاته بالمعسكر الشرقي كان الأقوى وبسببها مارس الغرب ضغوطاً عليه وهذه المعادلة يجب تفهمها بحيث ينطلق السودان في علاقات متوازنة يجمع الشرق والغرب معاً وليس العكس كما أن الجهود المبذولة حاليا لرفعه من قائمة الإرهاب والعقوبات الأمريكية المفروضة ربما تحل جذرياً مع الإدارة الأمريكية الجديدة حسب المواقف المعلنة للرئيس الأمريكى جو بايدن في حملته الإنتخابية الذي إنتقد منافسه ترامب على إجبار السودان بإعتباره دولة فقيرة بدفع مبالغ مالية على قضية لم تثبت إدانته فيها وهذا التصريح مؤشر إيجابى للتفاؤل بأن الإدارة الإمريكية الجديدة قد تغير المنهج السابق في التعامل مع السودان كما أتوقع نشوء علاقات متميزة بين الإدارة الامريكية الجديدة والإتحاد الأروبى وبما يسمى بدول الترويكا وموقفهم من السودان وأخشى أن يجمع السفير البريطانى الموقف الأمريكى والأروبى في السودان على أن يتربع على قرار الحكومة ويصبح كتشنر باشا الجديد لأن الإستعمار ليس فى صورته فقط الإحتلال بالجيوش بل بالسياسات أيضاً.
فشل الحكومة
تعيش البلاد أزمة اقتصادية طاحنة وتمدد كبير في صفوف الخبز والوقود؟
الأزمة الإقتصادية الحالية لها أسبابها وعواملها القديمة والمتجددة أولها فشل سياسات الحكومة الإنتقالية في المحافظة على المكتسبات الموجودة سابقاً كما أن الغلاء فى السلع وضروريات الحياة أفقد المواطن الأمل في الحكومة لإحداث معالجات على المدى القريب ومن الخطورة بمكان أن يعم الجوع كل السودان ويكون مدخل لأزمة تترتب عليها أوضاع إجتماعية بالغة الخطورة كما أن الجوع والسلام كلمتان متناقضتان وقد يطغى الجوع وإفرازاته على السلام و مصلحة الدولة والحكومة تتطلب منهما السعي بقدر الإمكان للتراجع عن السياسات الإقتصادية التي تمت من رفع للدعم وعدم البحث عن طرق لمعالجة إفرازاتها السالبة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى