تأملات – جمال عنقرة- الإمام الصادق المهدي .. وقصة السيدة أم سلمة

الخرطوم الحاكم نيوز
بعث لي أخي الدكتور محمد بشير قسم السيد وكيل كلية غرب النيل برسالة تعزية في الراحل المقيم فقدنا العظيم الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي، ثم أعقبها برسالة أخري كتب فيها (توفي الإمام الصادق المهدي .. انكسر المرق، واتشتت الرصاص) فأصابتني صاعقة من هول تصوري للمشهد من بعد الإمام، وتسمرت لنحو نصف دقيقة تقريبا لا أدري ماذا أكتب، وبماذا أعلق، حتى حضرتني قصة الصحابية الجليلة أم سلمة رضي الله عنها، فلما توفي زوجها أبو سلمة، رضي الله عنه، وكان من أبكار المسلمين، ومن أهل الهجرة الأولي إلى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلما توفي حزنت حزنا شديدا، فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم مواسيا، وقال لها استرجعيه لعل الله يخلف لك بأبرك منه، فقالت أم سلمة رضي الله عنها، رغم أني لم أكن أظن أنه يوجد من هو أبرك من أبي سلمة، لكنني فعلت إيمانا وتصديقا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت (إنا لله وإنا إليه راجعون) فلما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدركت أن الله قد أخلف لي بأبرك من أبي سلمة، وابرك من خلق الله في الأولين والآخرين، ومن يأتي بعدهم إلى يوم الدين. فلما تذكرت قصة أم سلمة هذه، كتبت معلقا علي رسالة أخي محمد بشير (إنا لله وإنا إليه راجعون) ثم أردفت بالدعاء (نسأل الله أن يخلف لنا بأبرك منه)
صحيح أني لا أري ضمن من أعرف من البشر أحدا يخلف الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة، ويسد مكانه، ولكنا لا نقنط من رحمة الله، ولكن كما يقول البعض (سورة يس محتاجة جكة) فالمطلوب أن نكون موضوعيين وواقعيين، ونفكر بمنطق، ونعد للأمر عدته، فالراحل المقيم السيد الإمام الصادق المهدي، كان يجسد أكثر من شخصية في شخصه، وكان يملؤها كلها بجدارة واقتدار، فهو سياسي، ومفكر، واستراتيجي، ومجدد للفكر الديني، وباحث ومنقب في مجالات شتي، ورياضي، ورجل مجتمع من الطراز الأول، ومحاور ماهر، وصبور علي البلاء والابتلاء، وكاتب لا يشق له غبار، وخطيب مفوه، وفارس مغوار، وأشياء أخري كثيرة يجيدها كما وردت في الكتاب، ولا يوجد كثيرون، ولا قليلون حتى، بجيدونها مثلما يجيدها السيد الحبيب الإمام الراحل المقيم له الرحمة والمغفرة.
ورغم أنه كما يقول السودانيون (حواء والدة) ولكنهم أيضا لهم قول محل تقدير (الله عرفوه بالعقل، ما شافوه بالعين) والذي نراه الآن ليس هناك أحد في مقام السيد الإمام، ويمكن أن يملأ كل الأماكن التي كان الإمام يملأ شواغرها كلها، وأذكر عندما توفي السفير البروفيسور أحمد عبد الحليم، له الرحمة والمغفرة، رشح البعض المرحوم السفير مهدي مصطفي الهادي ليخلفه في سفارة السودان بالقاهرة، فلما وصل الحديث إلى مسامع السيد مهدي له الرحمة والمغفرة، قال يرحمه الله (أنا جنيت أخلف أحمد عبد الحليم في مصر) واعتبر مهدي القبول بخلافة أحمد عبد الحليم انتحارا، وقال مهدي قولا مزج بين الحكمة والجد، والهزل، (لو عايزين تملوا محل أحمد عبد الحليم إلا ترشحوا خمسة سفراء) واري أن الأمر في شأن خلافة السيد الصادق المهدي، أكثر صعوبة، وأشد تعقيدا، ولا أظن أن خمسة فقط يمكن أن يسدوا الفراغات التي كان يسدها الإمام الحبيب وحده، ويفيض.
هذا الواقع يفرض تحديات من نوع خاص تواجه من تقع عليهم مسؤوليات سد الفراغات التي نجمت عن رحيل الحبيب الإمام له الرحمة والمغفرة، ويحتاجون إلى أسلحة ماضية للانتصار في معركة العبور.
أول هذه الأسلحة أن يعرف كل واحد منهم قدر نفسه، فلا يظن أحد أنه يمكن وحده أن يملأ المساحات التى كان يشغلها السيد الحبيب الإمام له الرحمة والمغفرة، أما السلاح الثاني، وهو مربوط بسلاح معرفة الأقدار هذا، أن يدرك كل إنسان حاجته للآخرين من أجل أن يعينوه علي أداء ما يعهد إليه من مهام الإمام الراحل المقيم، فمن ميزات السيد الإمام أنه كان قادرا علي حمله، وأحمال الآخرين الذين معه، وليس بين الذين من بعده من يمكن أن يفعل ذلك قطعا، هذا إذا إستطاع علي حمل أعبائه، وهذا يتطلب أن يتحلى الجميع بسعة في الأفق، ورحابة في الصدر، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يسد به الخلفاء بعضا من المساحات التى خلت برحيل الإمام الحبيب، وبها يزداد الأمل في أن يعوضنا الله تعالي خسارة هذا الفقد العظيم، ويرزقنا أبرك منه، وليس ذلك علي الله بعزيز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى