تأملات – جمال عنقرة – الهندي عز الدين .. الإنسان أولا

أذكر عندما كنت رئيسا لتحرير صحيفة المستقلة أتي لزيارتي الأخ الصديق الإعلامي المخضرم الأستاذ علم الدين حامد، وعندما نهضت للسلام عليه قال لي (قبل السلام .. قابلني واحد في الصالة سلم على بحرارة شديدة، وقال لي، أهلا يا أستاذ شجرابي، أها الزول ده شكرني ولا شتمني؟) تذكرت هذه الواقعة عندما هممت أن أذكر في تقديمي لأخي الصديق الأستاذ الهندي عز الدين، بالقول (الصحفي المثير للجدل) إلا أني تجاوزت ذلك، وأنا أيضا يقول عني البعض (مثير للجدل) وكان قد استضافني أخي العزيز المثير للجدل الأستاذ بكري المدني في برنامجه المشهور (مثيرون للجدل) وهو برنامج استضاف قبلي كثيرين منهم من أسعد بأن يضمني معهم تصنيف واحد مثل الدكتور علي الحاج محمد شفاه الله وعافاه، وفك أسره، والسيد مبارك عبدالله الفاضل، وأحسب أن الحبيب الهندي عز الدين أيضا يسعده أن يكون في تصنيف واحد مع هذين الحبيبين، ومن هم مثلهما.
لقد مرت أحداث كثيرة كان صديقنا الهندي طرفا فيها، وكانت تستدعي أن أكتب عنها، وهي من الموضوعات التي تستهويني الكتابة فيها، لكنني لم أفعل ذلك، لتداخل بعضها مع مسائل أخري، إلا أن حدثا أخيرا لم أستطع تجاوزه لا سيما وأنه كثر كثيرا عند الهندي وصار صفة ملازمة للرجل، وهو من الشيم التى أوشكت أن تندثر لولا بقاء بعض من لا يزالون يحملون فضائل الأسلاف.
فقبل أيام اتصل بي أحد الزملاء الأماجد كانت له حاجة ملحة يدعوني للوقوف بجانبه لحلها، ولأن اليد صارت أقصر من العين استأذنته في الإستعانة ببعض الأصدقاء والزملاء القريبين ممن نظن فيهم الخير، فلم يمانع، ولم يكن في ذهني اسم معين، حتى لاحت لي فكرة أن أعرض أمره علي بعض الزملاء يجمعهم (قروب) أسسه الأخ الهندي، ففعلت، وكانت حاجة هذا الزميل تقضيها خمسة وستين ألف جنيها، أي خمسة وستين مليونا (بالقديم)، فألقيت بالرسالة في القروب، وبعد خمس دقائق فقط، أعلن الهندي تبرعه بخمسة آلاف وبعد دقيقتين أعلن الحبيب العزيز الدكتور معز حسن بخيت بالتبرع بخمسة ألف مثلها، وبعد دقيقة واحدة بعدها أعلن الحبيب الشامخ البروفيسور صلاح البندر التبرع ببقية المبلغ المطلوب، خمسة وخمسين ألف جنيها بالتمام والكمال، وفي اليوم التالي كان المبلغ كله في يد الزميل صاحب الحاجة، نسأل الله أن يتقبل منهم جميعا.
هذا الموقف سبقه موقف أعظم منه للحبيب الهندي، لا نذكره اليوم إلا ليعرف الناس معادن من يجهلون، فقبل نحو عامين مر زميل عزيز بأزمة مالية كبري، فتنادي بعض الزملاء وانتظموا في مجموعات لحشد جهودهم، وما يجود به أصدقاؤهم، وأحبابهم للمساهمة في حل أزمة هذا الزميل الحبيب، وكانت جمعتني واحدة من هذه اللجان مع الأصدقاء الزملاء الهندي عز الدين، وعادل سيد أحمد، والبروفيسور عبد الوهاب السيسي، وأقول للتاريخ فإن الهندي لم يكتف بالحراك فقط، ولكنه كان أول وأكثر من دفع من حر ماله، بل كنا عندما نصل مع أحد الدائنين إلى تسوية معقولة، ونخشي أن تضيع، أو أن يتراجع عنها، فإن الهندي كان يدفع، وينتظر حتى نتحصل علي مساهمة، مرجوة، أو غير مرجوة، وأذكر عندما ذهبنا إلى الأخ الكريم السيد وجدي ميرغني محجوب رجل الأعمال الوطني المعروف، وعرضنا عليه مشكلة زميلنا هذه، سألنا كم تبقي من المديونية، فأخبرناه أن المتبقي ستمائة مليون جنيها، فوعدنا أن يعطينا شيك يوم الأحد بسبعمائة مليون تحسبا لأي طارئ، وكان ذلك يوم الخميس، فبمجرد خروجنا من وجدي بدأ الهندي السداد للدائنين ولم ينتظر استلام الشيك، فلما استلمنا الشيك وسلمناه الأخ الهندي كان الشريف قد سدد كل المبلغ، وأكملنا التسويات مع كل الدائنين، وتنفس الزميل العزيز الصعداء.
وهناك معلومة مهمة لا بد أن يعرفها الذين لم يسمعوا بها، ولقد سمعتها من كثيرين من الذين عملوا معه، لا سيما في صحيفته (المجهر السياسي) نسأل الله أن تعود نسختها الورقية لمعانقة عيون القراء قريبا بإذن الله تعالي، فكما يعلم كثيرون أن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين كان يوفر كرتونة الصائم وخروف الأضحية للزملاء الصحفيين بالتعاون مع الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وبنك العمال الوطني، وكان البنك يقسط القيمة علي مدار عام كامل تقريبا، بعض الصحف كانت تضمن العاملين عندها لدي البنك، وتقوم بخصم الأقساط من المرتبات شهريا وتسددها للبنك، وهناك صحف كانت ترفض ضمان عامليها لدي البنك، أما الهندي عز الدين فكان لا يكتفي بضمان العاملين معه لدي البنك فقط، ولكنه كان يسدد الأقساط، وتتحملها الصحيفة، ولا يخصمها من العاملين.
وموقف الهندي الأخير من أزمة صحيفته المجهر السياسي بسبب عوامل عدة ليس هذا مكان ذكرها، يؤكد شرف الرجل، فلما تعرضت المجهر بعد معاودتها الصدور بعد توقف كورونا إلى خسائر بلغت ستمائة مليون جنيها في شهر واحد، ولم ير أملا يلوح في الأفق لحل مشكلة الصحافة الورقية في ظل ظروف البلاد الراهنة، وخشي من تفاقم الأزمة فيتضرر منها هو، ويتضرر منها كل العاملين في الصحيفة، وتستعصي المعالجة بعد ذلك اتخذ القرار الذي راعي فيه أولا مصالح العاملين، فأوقف إصدار الصحيفة الورقية، ومع القرار مباشرة سلم كل العاملين استحقاقاتهم كاملة.
وتلك معالم محدودة جدا مما أعلم من مواقف الأخ الهندي التي تكشف البعد الإنساني عند هذا الرجل الشريف، اسم علي مسمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى