تأملات – جمال عنقرة – الثلاثى الأمدرماني .. الرحيل المر

ما أكثر الفواجع والمواجع التى شهدها هذا العام 2020م، علي كافة المستويات والصعد، ولقد شهد هذا العام رحيل قامات أخذت معها كثيرا مما كان يزين حياتنا، ولقد كان نصيبنا في العاصمة الوطنية أم درمان البقعة مبروكة الإله والدين، عظيما بعظمة البقعة وناسها نساء ورجالا، ومن الذين رحلوا من أهل البقعة وخلفوا جراحات غائرة فضيلة الشيخ الطيب الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله، وحبيبنا وصهرنا الشامخ الدكتور إبراهيم دقش، وأخي وصديقي الحبيب الصحفي الماركة الأستاذ كمال حسن بخيت، والقائد الحبيب الشاعر البطل الأنصاري المجاهد الباذخ اللواء أبوقرون عبدالله أبوقرون، هذا غير كثيرين من أوتاد أم درمان الذين يعرفهم أهل أمدر حق المعرفة، وتكفيهم معرفة هؤلاء مثل أخي الفاتح عبد الكريم أحمد عبد الكريم، ومن طرائف الفاتح يرحمه الله أنه كان يجلس يوما أمام منزلهم في شارع كرري في حي المسالمة المواجه لحي الركابية العريقين، فسأله أحد المارة عن شارع الدومة، فقال له الفاتح (إنت من وين؟) فرد عليه الرجل، (من أم فاجوك) فقال له الفاتح، (نحن قاعدين نجيكم في أم فاجوك؟) ومن رموزنا التى رحلت أختنا وداد سند، شقيقة الشاعر الراحل المقيم مصطفي سند، زوجة شاعر العيون حبيبنا عبد الله النجيب، ورغم عظم فاجعتنا في هؤلاء الأحباب الذين رحلوا، إلا أننا فجعنا خلال ثلاثة أيام فقط، برحيل ثلاثة من أهلنا وأحبابنا الراسخين في قلوبنا، ولي مع ثلاثتهم صلات خاصة وعامة، هم أخي شيخ المصورين عبد الرحيم قيلي، وفاكهة أم در، وظريفها الأشهر الهادي نصر الدين، المعروف باسم (الهادى الضلالى). وأخي الشاعر الشامخ البروفيسور السر محمد المهدي دوليب،
لقد كثر ذكري لأخي قيلي في الأيام الأخيرة، وقيلي قبل أن تجمعني معه صحيفة الأيام قبل نحو أربعة عقود من الزمان، جمعتني معه صلة قربي من درجة رفيعة، فجده قيلي ابن خالة جدي الأمير النور عنقرة، وسبب تكرار ذكري لأخي قيلي هذه الأيام أننا كنا نذهب معا لتغطية فعاليات الإحتفال بمناسبة مرور عام علي تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان لصحيفة الأيام في العام 1984م، وفي اليوم الختامي ذهبنا معا إلى دعوة العشاء التى أقامها الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري له الرحمة والمغفرة علي شرف ضيوف الإحتفال، وبعد العشاء أحضروا الفواكه علي أطباق (فاشرية) حمرا، مفروشة بأوراق فواكه متنوعة، مانجو، وبرتقال، وجوافة، وغيرها، وكان فيها ما لذ وطاب من الفواكه السودانية وغير السودانية، فالتقطت قطعة موز، فأمسك قيلي بيدي، وقال لي (موز شنو، شيل التفاح والكومثري، والعنب ديل، لو عايز الموز مالي البلد، الكيلو بتاعو بعشرة قروش) فكنت أحكي هذه القصة بمناسبة وصول سعر كيلو الموز إلى مائة ألف جنيها، بمعني أن سعر كيلو الموز اليوم كان يشتري ألف طن موز، يعني مليون كيلو موز، ولا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)
الحبيب الراحل الهادي نصر الدين كتب كثيرون عنه، وكتب أكثرهم عن معرفته لأنساب وعلاقات أهل أم درمان، ووصله وتواصله معهم جميعا بلا استثناء، وتحضرني في هذه اللحظة ملامح لقاء صحفي أجريناه معه في منزله بود نوباوي مع الزميلين الصديقين معاوية أبو قرون، ومحمد فرح عبد الكريم نشرناه في صحيفة (المشهد الآن) التي نفكر هذه الأيام مع أخي وشريكي الأستاذ عثمان الطويل في إعادة إصدارها مجلة شهرية بمواصفات عالمية، والرحمة والمغفرة لشريكتنا الدكتورة مها البشري التي رحلت عن دنيانا الفانية الجمعة الماضية، وتحدث الأخ الهادي في ذاك اللقاء عن أشياء كثيرة، أولها اسم (الضلالى) فقال إنه كان يجلس في ليلة قمرية مع أصدقائه أبناء ودنوباوي، فسمعوا صوت غناء، فقصوا دربه، فوجدوه حفل زواج في حي البوستة عند ال زروق، الأسرة الاتحادية المعروفة، وكان يغني في الحفل الفنان الذري الراحل إبراهيم عوض، وكان الهادي من معجبي ابراهيم عوض، فبشر فيه، وحياه تحية خاصة، وكان الحفل يعج بالحسناوات الفاتنات، فقال لأصحابه، (شوفوا هنا بنات الاتحاديين زي المنقة والتفاح، ونحن ناس حزب الأمة كاتلننا بالنبق واللالوب) فلما ذهبوا في اليوم التالي إلى دار حزب الأمة، أخبر أحد الحاضرين السيد عبد الله بك خليل سكرتير عام الحزب بما قاله الهادي، فقال له عبد الله بك (ده واحد ضلالي)، فسار عليه اسم (الهادي الضلالى) له الرحمة والمغفرة.
وأذكر عندما كان أخي الفاتح عز الدين معتمدا لمحلية أم درمان، اقترحت عليه أن يعتمد المدخل الاجتماعي لأم درمان وأهلها، فرتبنا له زيارات لمجموعة من الرموز الأمدرمانية، فزار الرئيس الراحل جعفر نميري، والإمام الصادق المهدي، والراحل الزعيم ابن الزعيم محمد اسماعيل الأزهري، وأبناء الإمام الشهيد الهادى المهدى، والأنبا صرابامون، والمرحوم ابراهيم دقش، وزوجته الدكتورة بخيتة أمين، ورئيس الجالية الهندية الدكتور إميل كومار، واللواء الهادي بشري، والشيخ محمد الشيخ دفع الله الغرقان، وكثيرين غيرهم، ولمزيد من التواصل مع أهل أم درمان جعل الفاتح للأخ الهادي نصر الدين راتبا شهريا محترما، نظير أن يأتيه بأخبار أم درمان طازجة، أفراحها وأتراحها، وكان هذا هو سبب حضور الفاتح عز الدين الاجتماعي الطاغي في مجتمع أم درمان.
آخر الراحلين كان حبيبنا الشاعر العبقري البروفيسور السر محمد المهدي دوليب، والسر دوليب قبل أن يجمعنا حي الركابية العريق، فإن جده الشيخ محمد دوليب يشارك جدي لوالدتي الشيخ جبارة عمر المرقد في ضريح الشيخ أحمد التجاني الفوتي في مقابر الشيخ أحمد التيجاني في مدينة أم روابة عروس النيم، حاضرة منطقة شرق كردفان، ويشاركهم المرقد الشيخ الأسطى محمود، وشيخ محمد حارس المقام الشهير، وأذكر قبل نحو ثلاث أو أربع سنوات اتصل بي الأصدقاء الأستاذة الأحباب التجاني الحاج موسي، ومختار دفع الله، وشكر الله خلف الله، من لجنة تكريم الشاعر السر دوليب برعاية جامعة الأحفاد ورئاسة البروفيسور قاسم بدري، واقترحوا أن يبدأ التكريم من كردفان منبت جذور السر دوليب، ثم أنه من الدفعة الأولى التى تم قبولها في مدرسة خور طقت الثانوية، وكان من ضمن طلابها الفريق أول عبد الماجد حامد خليل، والفريق الفاتح بشارة، والفريق سجون أحمد وادي مدير السجون الأشهر، وزوج الأخت إحسان دوليب شقيقة الراحل السر دوليب، والبروفيسور كمال حامد شداد، فاتصلت بالأخ حسن حمد الذي كان مسؤولا عن النشاط الفني في نفير نهضة ولاية شمال كردفان، ثم اتصلنا بقائد مشروع النفير مولانا أحمد هارون، الذي لم يتردد ثانية في قبول ورعاية الفكرة، ولقد شهد الجميع أن (قيدومة) التكريم في مسرح عروس الرمال تفوقت علي حفل التكريم الأصلي في المسرح القومي، وقدمت فرقة فنون كردفان الموسيقية مجموعة من روائع السر دوليب الغنائية، مثل روائع الفنان عثمان حسين، مسامحك يا حبيبي، ومالي والهوى، وداوم علي حبي، وما بصدقكم، وريدتنا ومحبتنا، ورائعة أحمد المصطفي احتار خيالي، وبديعة سيد خليفة، زيديني من دلك شوية، ورائعة محمد ميرغني، أنا والأشواق، وساحرة عثمان الشفيع، اللون الخمري، وغيرها من الأغنيات الرائعات التى أثري بها الشاعر الكبير السر دوليب ساحة الغناء السوداني، له الرحمة والمغفرة، ولكل أهله ومحبيه حسن العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Exit mobile version