مواصلة لما جاء في المقال السابق وللتذكير فإن الأوروبيون هم من افترع هذه الدولة القومية فالغازي المحتل هو الذي رسم لنا حدود بلادنا وأمرنا أن نحب هذه الحدود السجن ونتغنى بها رغم أنها كانت حدوداً غير متجانسة تضم مجموعات غير منسجمة فقد استخدموا سياسة فرق تسد عبر إثارة النزاعات الداخلية بين الشعوب المحتلة، أو استغلال الانقسامات العرقية والدينية، أو زرع التنافس بين القوى المحلية، وقد اشرنا في المقال الاول الى مشكلة جنوب السودان التي تعد مثالاً حياً على أساليب الدول الأوروبية للسيطرة على الشعوب، وتشتيت قواها وتسهيل استعمارها والتحكم بها، كما حدث في مؤتمر برلين بتقسيم أفريقيا دون اعتبار لإرادة سكانها ولم يكتفوا بذلك بل اكثروا من اثارة النزاعات الداخلية و تعمدوا دعم فصائل معينة ضد أخرى داخل نفس المجتمع لتقويض وحدته وزرع الشقاق، كما استغلوا الاختلافات القبلية، أو الدينية، أو العرقية الى جانب خلق تلك الحدود المصطنعة كما سبق ذكره لتفريق الشعوب والاثنيات بين الدول الجديدة التى قامت على انقاض ممالك راسخة، وصنعوا “أقليات حاكمة” في كثير من الدول تخدم مصالحهم وتكون مصدر سخط لاحق يقود الى النزاعات والتناحر بينها والاغلبية حين رحيل المحتل.
وابرز الامثلة على ذلك حديث الكولونيل ارنست سومر جاكسون الذي سمي باسمه ميدان جاكسون وهو محطة مواصلات رئيسة بالخرطوم اليوم بعد ان صنعوا كل أسباب الكراهية حيث قال 🙁 رغم فضائلهم، لا يجتمع السودانيون إلا على كراهية بعضهم )،وكذلك وجهة نظر السير جيمس روبرتسون آخر سكرتير إداري للمحتل الإنجليزي في السودان الذي قال ان السودانيون سوف يتفرقون في نهاية المطاف إلى عدة دويلات وسوف تسيطر عليهم دول الجوار فهل ما يحدث اليوم الا تصديقاً لتلك النبوءة و التخطيط المسبق.
إن الإنجليز قد كانوا سبباً رئيساً في ازدياد ظاهرة العداوة والبغضاء التي تحدثوا عنها ففي إفادة أحد الاداريين الإنجليز للكاتب الصحفي الراحل حسن ساتي قال بإنه متشائم جداً حول مستقبل السودان بعد أن رأى الانفصال المؤلم لجنوب السودان بتدبير خبيث من أمريكا والغرب وأن السبب في ذلك هم السودانيون الذين هم شعب بلا مسئولية، شعب خائن يخون بلده، ويخون بعضه بعضاً وللاسف تلك الخيانة موجودة والغرب هو من يتولى حالياً أولئك الخونة الذين يخاطبون البرلمان الأوروبي للتدخل ضد بني جلدتهم وفرض الاجندات الغربية عليهم .
ذلك بساطة لأن الانجليز وكذا بقية الاوربيين في دواخلهم – وإن تظاهروا بغير ذلك – لا يضعوننا في أكثر من مقام العبيد الذين يجب تسخيرهم لخدمتهم فقد أرسل سلاطين باشا أحد اشهر رجال الاستعمار الإنجليزي للسودان رسالة إلى صديقه بيجي عام 1897 ( بحسب وثيقة محفوظة في ارشيف السودان بجامعة دارام البريطانية تحت الرقم 438/653/3 يقول فيها : ( إن السود هم خنازير بائسة لا يستحقون أن يعاملوا كرجال أحرار مستقلين، ينبغي الحفاظ على السود كعبيد تحت حماية مالكيهم، والذين يجب إجبارهم على حسن معاملتهم).
إن مآسى الانجليز في السودان قد أصبحت عنوان كتاب لأحد المؤلفين المصريين تحدث فيه عن كيف زرعوا قنابل موقوتة في السودان بعد ان رمونا بأدواءهم وانسلوا، فعندما يتحسرون على انفصال الجنوب فإنهم يتناسون منكر فعلوه وهو سياسة المناطق المقفولة التي كانت تلك إحدى ثمارها المُرة، فهاتيك السياسة قد طبقوها بإحكام في جنوب السودان، جبال النوبة، جنوب النيل الأزرق وأقصى شمال دار فور لذلك انفصل الجنوب ولا تزال بقية المناطق المشار إليها مشتعلة ويتعهدون القائمين على أمر النزاع فيها بالرعاية الكاملة،إنهم من افترع التنمية غير المتوازنة التي ركزت على مصالح الامبراطورية التي غابت عنها الشمس، ثم اوحوا لقاطني تلك المناطق أن تنادوا للثورة لأنكم مهمشون.يتبع
ضل التاية – بروفيسور إبراهيم محمد آدم – انتبهو أيها السودانيون المبادرات الخارجية لا تهدف الى وقف الحرب (2-4)
