معوض مصطفى راشد يكتب : أبك يا بلدي الحبيب

لا نزال نحن ابناء السودان نضع ايدينا في قلوبنا .. بل أننا لا نزال نضع قلوبنا بين ايدينا خوفا على هذا الوطن .. فنحن نعيش الأن ساعات تأريخية حاسمة .. وكل شيء واقف في مفترق طرق التطورات الصاخبة .. فهذا الوطن شبع من المنقذين السياسيين ومبعوثي العناية الالهية, وطفح كيله منهم .. ويبحث الآن عن خلاص ومخرج من هذا الضياع والتشرذم .. ويتطلع في الوقت نفسه الى ما يسّمى بالفعاليات السياسية علّ هؤلاء يضعون خصوماتهم جانبا لانقاذ الوطن ..
وتستحضرنا هنا اجواء الخصومات التي استبدت بفرنسا في اول الحرب العالمية الاولى بين الرئيس بوانكاريه وزعيم المعارضة كليمنصو .. فقد عرف بونكاريه كيف يتجاوز الخصومات الشخصية حفاظا على مصلحة بلاده فأرسل في طلب كليمنصو الى القصر .. وتنبأ البعض بأن كليمنصو لن يتجاوب معه .. ولكنه تصرف كمسئول، فلم يرفض مقابلته كما توقع الناس .. وقال الرئيس بوناكاريه عندما دخل عليه كليمنصو:”انت تعرف أني اكرهك .. ولكنني اعرف محبتك لفرنسا، ولذا اطلب منك عهدا هو عهد علىّ ايضا .. أن نجمّد خلافاتنا حتى تنتهي الحرب حيث ان هذا هو الطريق الأوحد لانقاذ فرنسا” .. وردّ عليه كليمنصو: “أنت تعرف سيدي الرئيس درجة المقت الذي احمله لك .. وأنت تقرأ مقالاتي اليومية التي اكتبها ضدك في صحيفتي اليومية .. ولكنني أعتبر دعوة الرئيس لأي مواطن بمثابة أمر .. والآن أعرف ما تريده سيدي .. ثم قام بسحب ورقة من مكتب الرئيس وكتب عليها اسماء وزارته .. وقال ببساطة هذه هي حكومتي .. ” ووقع الرئيس الفرنسي على القرار ، وبدأ عهد من التعاون بين العدوين السياسيين من اجل مصلحة فرنسا.
ونحن الآن نعيش اجواء أشبه بتلك التي حدثت في فرنسا في الحرب العالمية الاولى .. وتأمل الأغلبية الصامتة الصامدة من هذا الشعب ان يترفع كبراؤنا عن الصغائر .. وأن يجلس الفرقاء ويتناسو خلافاتهم السياسية حتى يخرجوا لنا بنظام حكم يرضي تطلعات واحلام الجميع من اجل هذا الوطن الشامخ.
هل نأمل في ذلك أم نقول كما قال الآن بيتون (أبك يا بلدي الحبيب).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى