في مقالنا السابق تحت عنوان (جنوب كردفان / جبال النوبة … جذور الأزمة) أكدنا أنما يدور بالولاية من صراعات وخلافات إنها (سياسية) وليست (قبلية) ، وقلنا إنها تصاعدت بسبب تقاطعات المصالح ، وأثبتنا أن المجتمع هناك بطبعه وعبر تاريخه متعايش ومتصاهر ومتصالح ولهم تحالفات فيما بينهم ، بالتالي هذا يؤكد أنما حدثت في كادقلي من خلافات وصراعات دموية بين (النوبة والحوازمة) تصب في ذات الإطار سياسيا وليس قبليا أو عنصريا .
أعتقد أن قيادة البلاد بالمجلسين (السيادي والتنفيذي) تعلم جذور الأزمة وتمسك بتلابيبها ولديها حلول ومعالجات تضاف إلي إتفاق وقف العدائيات بين الطرفين (ثلاث أشهر)، وبناء علي ذلك جاء تفويض رئيس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان للوفد من القيادات الأهلية والتنفيذية في الولاية بحل المشكلة ، تماما كما جاء حديث نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لدي مخاطبته الإحتفال بقاعة الصداقة بالخرطوم تمهيدا لطي الخلافات بين الطرفين نهائيا.
جاء حديث (حميدتي) ساخنا وواضحا وصريحا وشفافا ، وقد صاحبته مقاطعة وهتافات من قبل البعض ، رفعت لافتات ترفض الدكتور حامد البشير واليا لجنوب كردفان بإعتباره محسوبا علي مكون الحوازمة ومنتميا لحزب الامة ، قالها حميدتي بذات الصرامة (الوالي مايستاهل الكلام دا .. وكان دي طريقتكم يا أهل السودان .. البلد دي بتتفرتق) وزاد (نحن أكثر ناس بتضحكوا علينا وكان ختيتونا تلحقوا اليمن) وختم (إنها مسؤولية امام الله) .
في الواقع ان قائد الدعم السريع الفريق أول (حميدتي) من الذين ذاقوا مرارة ويلات القتال في منعرجات جبال النوبة ، وقد إفتقد قيادات مقربة منه هناك في طروجي وغرب الدلنج وغيرها ، إفتقدت قواته عددا مقدرا من خيرة عناصرها وعتادها في أدغال وتلال وكهوف جنوب كردفان كردفان ، وليس خافيا أن الجميع يعلمون بإن الحرب إندلعت في جنوب كردفان (ستة ستة) 2011 بسبب ذات منصب الوالي عقب إنتخابات فاز فيها مولانا أحمد هارون مرشح المؤتمر الوطني علي عبد العزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية التي رفضت الإعتراف بالنتيجة وقالت إنها مزورة .
ولذلك كله جاء رفض الدكتور حامد البشير واليا من قبل قواعد الحركة الشعبية – شمال رغم علاقة الرجل الحميمية مع زميله في الدراسة الحلو ، أعتقد تلك رسالة لطاولة المفاوضات ، غير أن الحكومة الإنتقالية من جانبها أرادت الدفع بالدكتور حامد البشير فورا لتقلد منصبه واليا لجنوب كردفان أسوة برفاقه الذين ذهبوا ولاياتهم وتقلدوا قياداتها ، حتي لا تفتح الباب أمام أية مطالبات أو تنازلات ، وربما أيضا قصدت الحكومة لتؤكد عدم التراجع عن الرجل واليا للولاية ، مثلما تواجه من ضغوط بشأن تعيين صالح عمار واليا لكسلا من قبل معظم قيادات الإدارات الأهلية بالشرق ، ويبدو أن الأمر قد قطع مشوارا وأصبح صالح غير صالح لأن يكون واليا لكسلا .
غير أن المراقب يلحظ أن الأوضاع في كادقلي قد أصبحت بمثابة جرح السودان النازف بسبب الصراعات والقتل المستمر هنا وهناك ، فأصبحت بلاد طاردة وقد غادرها معظم سكانها للأبيض والخرطوم وغيرها ، بينما جاءت هجرة معظم الذين جاءوها من مناطق سيطرة الحركة عابرين لها إلي الخرطوم ، ولذلك قالها حميدتي (إنتو شغالين قبيلتي وقباىل العرب وقبائل النوبة والناس شغالة بتفرتق فيكم وانتو ماجايبن خبر) .
حقا كادقلي أصبحت طاردة ومثلها محليات ومدن وريف جنوب كردفان ، حيث تقدر دوائر الحركة عدد النازحين واللاجئين من مكونات جنوب كردفان أكثر من (4) مليون شخص ومعظمهم من النوبة ، وتعتبر الحركة الشعبية – شمال (الحلو) أنما ما حدث من تهجير مقصود لتفريغ الولاية من النوبة لصالح المكونات الأخري ، وتعتقد أن ذلك يقلل من حظوظها وفرصها ويؤثر علي مطالبتها بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة ويفشل خطة دعوتها لتقرير مصير جبال النوبة .
وليس ذلك فحسب بل تتهم الحركة الشعبية جهات سياسية ومنها حزب الأمة وغيره ، بإنها نشطت تعمل لأجل التغيير الديمغرافي في جنوب كردفان لأجل الإنتخابات وتنفيذ أجندات ضد النوبة ، وأعتقد لذلك جاءت عمليات التصعيد ضد الدكتور حامد البشير ، تماما كما جاءت عمليات التحشيد والمناصرة لتأجيج الصراع بين المزارعين والرعاة بسبب المسارات .
غير أن نائب رئيس مجلس السيادة (حميدتي) قفل الباب أمام أي مزايدات تقود لطرد بعض المكونات السكانية من جنوب كردفان ، مثلما ظلت تطالب بعض مكونات الشرق بطرد النوبة من بورتسودان وحلفا الجديدة وكسلا ، وطرد الزغاوة وغيرهم من قبائل غرب السودان من حلفا الجديدة وغيرها، مثلما إنطلقت من مطالبات لطرد القبائل العربية من دارفور بما يعرف بطرد (المستوطنين الجدد) ، قطع حميدتي بمساندته للمواطنين الذين يسكنون في الكنابي وأينما كانوا لاجل الإستقرار والتنمية والخدمات .
علي كل تسلم والي جنوب كردفان المكلف الدكتور حامد البشير أمس الأحد مقاليد السلطة في الولاية وسط تباينات وأصوات معارضة ، إعتبرها الوالي رسالة ديمقراطية ، مقدما الدعوة لمعارضيه للحوار لاجل جنوب كردفان ، وأعتفد علي الوالي أن يختار نائبا له ترشحه المكونات التي لديها تحفظات لأجل المصلحة العامة ، وكشف الوالي عن خطة من عدة محاور أهمها الامن والسلام ومعاش الناس وقضايا الشباب والمرأة وملف التعدين ، وإزالة التمكين وغيرها ، مفصحا عن إنشاء مجلس باسم (الجودية والسلم الأهلي) في جميع محليات الولاية على أن يكون المجتمع جزء من عملية بناء السلام ، فضلا عن مبادرة لدرء الخلافات قبل وصولها لمرحلة متأزمة ، علاوة علي عقد مؤتمر لحلحلة مشاكل المراحيل بالتفاهم مع المستثمرينَ ، وان غدا لناظره لقريب .
عمود الرادار … الثلاثاء 18 أغسطس 2020 .