في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر 2025م سنحت فرصة ذهبية للحكومة السودانية المدنية الانتقالية لمخاطبة أعلى منبر في العالم هو مجلس الأمن الدولي حيث تحدث الدكتور كامل ادريس رئيس وزراء تلك الحكومة أمام هذه المنظمة للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، فقد خاطب من قبل اجتماعات الجمعية للامم المتحدة في دورتها الثمانون ، التي افتتحت في سبتمبر 2025 وتستمر لمدة عام احتفالاً بالذكرى الثمانين لتأسيس هذه المنظمة رغم أنها في هذا السن المتقدم لم تقدم صحائف انجاز معتبرة نتيجة للقيود الكثيرة التي واجهتها طوال مسيرتها .
إن تلك الجلسة قد عُقدت بناءً على رسالة عاجلة من حكومة السودان من قبل مجلس السيادة الانتقالي بتاريخ 13 ديسمبر2025م ، كما ان هذه الجلسة قد خاطبها الى جانب رئيس الوزراء السيد كاميرون هديسون الخبير الاستخباراتي والدبلوماسي والمحلل السياسي الامريكي، وقد جاءت في ظل تصعيد غير مسبوق من قبل المليشيا في الهجمات على المدنيين والبنية التحتية حتى في المناطق خارج سيطرة مليشيا الدعم السريع ودعم دولي كثيف من قبل 18 دولة شاركت في اسقاط الفاشر وكانت على رأسها دولة الامارات التي سيرت جسراً جويا بلغ عدد رحلاته 105 كانت وجهتها مدينة الكفرة الليبية ومنها الى السودان في انتهاك صريح لقرار مجلس الأمن رقم 1591 ، الذي اعتمد في 29 مارس 2005، بعد التذكير بالقرارات 1547 (2004)، 1556 (2004)، 1564 (2004)، 1574 (2004)، 1585 (2005)، 1588 (2005) و 1590 (2005) بشأن الوضع في السودان ، وبموجب ذلك القرار فرض المجلس حظراً على الاسلحة وكذلك السفر وتجميداً للأصول على أولئك الذين يعوقون عملية السلام في دارفور، وترصد لجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 1591 لعام 2005م بشأن السودان تدابير الجزاءات التي فرضها المجلس. وقد طلب إلى جميع الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تزويد الكيانات العاملة في دارفور بالأسلحة والمواد ذات الصلة من جميع الأنواع، وأيضا بالتدريب والمساعدة التقنيين.
وبموجب ذلك القرار تكفل جميع الدول أن أي بيع إلى السودان أو إمداد له بالأسلحة والعتاد المتصل بها التي لا يحظرها القراران 1591 (2005) و 1556 (2004) مقيّد بشرط تقديم ما يلزم من وثائق لتحديد المستخدم النهائي، كيما يتسنى للدول التأكد من أن عمليات البيع أو الإمداد تلك متماشية مع التدابير التي يفرضها هذان القراران، وقد اثبت الأيام ان هناك الكثير من الأسلحة الامريكية والبريطانية والصينية قد وجدت طريقها الى المليشيا عبر كفلاءها.
إن هذا القرار ظل يجدد سنوياً لمدة عشرين عاماً آخرها في شهر سبتمبر 2025م ولكن على ارض الواقع لا تطبيق له، ولو كان نافذاً لما دخل السلاح الى دار فور من قبل تلك الدول التي سبقت الاشارة اليها عبر حدود اربع من دول الجوار هي ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى وجنوب السودان وهذا خط حدود متواصل يطوق كل ولايات دار فور.
ان ذلك الطلب من قبل الحكومة السودانية بعقد تلك الجلسة قد وجد دعماً دبلوماسياً كبيراً حيث حظي بدعم دول أفريقية صديقة للسودان تتمتع بعضوية المجلس حالياً و هي الجزائر، سيراليون، الصومال، غيانا، بالإضافة إلى دول دائمة العضوية مثل الصين، روسيا، الى جانب باكستان.
حيث دعمت روسيا والصين الطلب السوداني من اجل تعرية مواقف الغرب الذي يغض الطرف عن ما يقوم به حلفائه الإقليميين سواء كانت الامارات او دول الجوار الجاحدة التي سبقت الاشارة اليها، لذلك جاء استخدام هذا المنبر الأممي لفضح التدخلات الخارجية التي تقوم به تلك الدول.
كانت تلك الجلسة برئاسة جمهورية سلوفينيا التي تترأس المجلس، مما وفر بيئة مواتية لطرح قضايا حقوق الإنسان وحماية المدنيين والتي افرزت لها خطة الحكومة السودانية حيزاً مقدراً . إن تلك الخطة التي طرحت على مجلس الامن جاءت مكملة لخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية في شهر فبراير 2025م وقد نصت على وقف إطلاق النار و انسحاب مليشيا الدعم السريع من المناطق المتواجدة بها، وتسهيل عودة النازحين لمناطقهم ونزع سلاح الدعم السريع، وإعادة الدمج وتأهيل المقاتلين السابقين للاندماج في المجتمع، واجراء حوار سوداني سوداني للاتفاق حول الديمقراطية، وتحقيق العدالة والمصالحة الشاملة، وهي ذات البنود التي تم الإتفاق عليها بجدة في مايو العام 2023، ولكن الاتفاق لم يجد حظه من التنفيذ نسبة لخرق المليشيا له وغياب الآليات اللازمة لتطبيق ما اتفق عليه .كما ان الخطة جاءت لتأكيد موقف السودان الثابت في مسار السلام والتحول الديمقراطي بحيث تفضي في نهاية المطاف الى انتخابات حرة نزيهة يختار فيها الشعب السوداني القيادة التي يراها مناسبة .
