أسامه عبد الماجد يكتب … سقوط كامل !!

0 لا أرى أن لمديرة مكتب قناتي العربية الزميلة العزيزة لينا يعقوب.. أي علاقة بما يمكن وصفه بالسقوط الإداري الذي وقع فيه رئيس الوزراء كامل إدريس حين تولى بنفسه نقل قرار السماح بعودتها لعملها.. بعد إيقافها من وزارة الإعلام. فحتى لو كان مدير المكتب شخصاً آخر – رجلاً أو امرأة – فإن كامل كان سيتصرف بالطريقة ذاتها.. ولذلك لا ينبغي توجيه اللوم إلى لينا على قرار أو سلوك هي ليست طرفاً فيه.
0 وربما جاء قرار إلغاء الإيقاف لأربعة أسباب محتملة.. إما أن للحكومة تقديرات خاصة لم تُعلن، أو لوجود وساطة خارجية تخص القناة نفسها وليس مديرة مكتبها، أو لأن أسباب الإيقاف انتفت، أو لأن المديرة قدمت تعهداً بعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها الحكومة.. لكن الفضيحة الحقيقية ليست في القرار، بل في أن رئيس الوزراء شخصياً قام بنقله إلى القناة. يا للحرج الإداري!
0 فنحن – في الصحافة – نحرص على عدم تجاوز مدراء الإدارات عند تمرير التوجيهات للمحررين. فكيف يتجاوز رئيس وزراء هياكل حكومته بهذه الطريقة؟.. إن ما حدث يكشف بوضوح أن الحكومة دخلت مرحلة الصراع الداخلي الصامت.. وهذه مرحلة شديدة الخطورة إذ يسعى كل طرف لإبعاد اللوم عن نفسه، وتفريغ المسؤولية في بريد الآخرين.. بينما تتحول مؤسسات الدولة إلى جزر معزولة لا رابط بينها.. يتضح ذلك في طريقة تعامل مكتب الرئيس مع قناتي العربية والحدث، والسماح لموفدة القناة بمرافقة البرهان.. دون بروتوكول واضح لكيفية تأمين الرئيس في حال حدوث طارئ.. حيث كانت تقف مراسلة القناة أمام قائد الحرس الرئاسي مباشرة. مشهد يكشف هشاشة التنسيق، وسطحية إدارة الملفات السيادية.
0 ولأن خطوط الحكومة متباعدة، حاول كامل إدريس استخدام خطوة الإبلاغ الشخصي كوسيلة لـ”تجميل صورته” وإرسال رسالة للخارج،.. خصوصاً بعد الانتقادات – غير الدقيقة – التي طالته بسبب إقالة أمينة مجلس البيئة، والتي تم الترويج بأنها تمت نتيجة “انتقادها للإمارات”.. وهو تفسير قاصر لا يستقيم مع المنطق فلو كان ذلك صحيحاً لتمت إقالة دبلوماسيين ومسؤولين أدلوا بتصريحات أشد حدة تجاه الإمارات في محافل دولية.. وفي مقدمتهم مندوبي السودان في نيويورك الحارث ادريس وفي جنيف السفير الهمام حسن حامد.
0 السودانيون بطبيعتهم عاطفيون، وقد تفاعل كثير منهم مع الخطاب الارتجالي للأمينة المقالة.. رغم أنه كان موجهاً للداخل في وقت تحتاج فيه البلاد لمخاطبة الخارج.. السيدة منى تنتمي لأسرة معروفة بالخير والتواصل.. ونتمنى لها التوفيق في أي محطة مقبلة. لكن ذلك لا يمنع من أن إدارة هذا الملف تمت بطريقة مرتبكة وغير ناضجة.
0 من جانب آخر، يحاول كامل إدريس – بشكل لافت – تخفيف الضغط عنه عبر خطوات انفعالية تفتقر للدراسة. فمنذ مدة بدت تحركاته غريبة.. يغلب عليها الطابع الاستعراضي، مثل زيارته لميناء بورتسودان وإصداره قراراً بإعفاء نسبة من رسوم “الأرضيات” دون دراسة آثار القرار، وما تردد عن مشادة بين مدير الميناء ووالي البحر الأحمر لعدم إبلاغ الأول مسبقاً.
0 وكذلك زيارته لوزارة الصناعة والتجارة رغم غياب الوزيرة والوكيل، وجلوسه مع موظف لمراجعة بيانات على جهازه مباشرة.. في تصرف أقرب لتفتيش فردي منه لعمل مؤسسي.. كل ذلك يعكس أن كامل يعمل بدون فريق استشاري جاد، وبأسلوب يؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتدميرها بدل دعمها.. وبالمناسبة لا خلاف بين كامل ووزير الاعلام ولا أحد يريد دفع الأخير للاستقالة.. فهو أقرب شخص لكامل بل متهم بتدخله الخفي في عمل بعض الوزارات.
0 اثبت الأيام فشل كل المستشارين حول كامل.. حيث يشخصن القرارات بالميل لاتخاذ خطوات فردية متجاوزاً الهياكل الإدارية، مما يخلق فراغاً تنظيمياً.. ويصدر قرارات مرتجلة بلا تقديرات كافية للأثر، سواء في الإعلام أو الاقتصاد.. ويعتمد على التحركات الشخصية بدلاً من اللجان الفنية والعمل المؤسسي مثل فضيحة زيارته للمملكة.. ويبحث عن عن التلميع الإعلامي لذلك بعض خطواته أقرب للعرض السياسي منها للعمل التنفيذي.. ولا توجد لديه رؤية متماسكة، بل كل خطواته ردود أفعال لضغوط أو انتقادات.
0 لكن لاتزال الفرصة مؤاتيه أمام الحكومة بشقيها السيادي والتنفيذي لمعالجة الوضع وتفادي الانهيار الإداري.. وذلك بتأسيس غرفة تنسيق عليا تربط بين مجلسي السيادة والوزراء، لوضع خطوط اتصال واضحة ومنع التضارب.. إعادة تفعيل التسلسل الإداري الرسمي بحيث لا يقوم أي مسؤول – مهما كان موقعه – بتجاوز الإدارات المختصة أو البروتوكولات المؤسسية.. تكوين فريق استشاري مستقل لرئيس الوزراء
يضم خبراء في الإدارة العامة، الإعلام، الأمن القومي، والاقتصاد لتقييم كل خطوة قبل اتخاذها.. بدلا من انفراد كل مستشار في مجال تخصصه وحشر انفه بصورة سافرة.
0 وكذلك يمكن إطلاق مدونة سلوك للحكومة.. وثيقة مكتوبة تضع ضوابط للتعامل مع الإعلام، العلاقات الخارجية، الزيارات الرسمية، والقرارات الاقتصادية.. اعتماد مبدأ الشفافية والتفسير المنطقي للقرارات.. وذلك لمعالجة الفجوة بين الحكومة والرأي العام، وتجفيف بيئة الشائعات التي توسعت كثيراً. ان البلاد لا تحتمل إدارة مرتجلة أو تصرفات فردية. المطلوب اليوم هو استعادة منهج الدولة، لا منهج الأشخاص.
0 ومهما يكن من أمر.. فالعبرة ليست من يصدر قرار بل بمن يحفظ هيبة الدولة ويحمي استقرار البلاد.

السبت 6 ديسمبر 2025
osaamaaa440@gmail.com

Exit mobile version