
كلام سياسة الصافي سالم
في زمنٍ تتبدّل فيه الموازين، وتُهاجر فيه رؤوس الأموال إلى الخارج هرباً من الأزمات، يظلّ بعض الرجال شامخين كالأوتاد، يربطون الوطن بأفعالهم لا بأقوالهم، ويجعلون من الإيثار سلوكاً يومياً لا مناسبة عابرة. من بين هؤلاء رجل الأعمال أزهري مبارك، رجل البر والإحسان، الذي اختار أن يبقى بين أهله وشعبه، حين اختار غيره طريق الرحيل. لم تغره العروض التي انهالت ليخرج لكي يستثمر خارج السودان في موريتانيا، ويوغندا، ومصر، وتركيا وبعض البلاد كما فعل بعض رجال المال والأعمال ، ولم تُغوه الإغراءات التي “تسيل لها اللعاب” كما يُقال، بل ظلّ ثابتاً على مبدأٍ آمن به منذ البداية: أن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، لا في الحسابات البنكية. منذ سنواتٍ طويلة، ظلّ أزهري مبارك يقدم دعماً صامتاً لا يعرف طريق الإعلام أو الاستعراض. فهو الذي يقف خلف مبادراتٍ اجتماعيةٍ ووطنيةٍ امتدت إلى معظم ولايات السودان، دعماً للاستفسار وايضا للفقراء، ورعايةً للأيتام، وسنداً للمرضى، ومساعدةً للطلاب وذوي الدخل المحدود.لقد كان عطاؤه متنوعاً وشاملاً، يُداوي جراح الوطن في صمت، ويمنح الآخرين الأمل دون أن ينتظر مقابلًا.وفي أصعب لحظات السودان، عندما اشتدت المحنة على أهل دارفور وكردفان، ظهر هذا الرجل مجدداً، حاملاً مشعل الرحمة والوطنية، بمبادرته الكبرى لإيواء النازحين وتوفير المأوى الكريم والخدمات الأساسية لآلاف الأسر التي شُردت بفعل الحرب.
لقد جعل من آلامهم أملاً، ومن مأساتهم رسالة إنسانية تضيء الطريق، وأعاد إلينا الإيمان بأن الخير لا يموت مهما عصفت بنا الأيام.ولأن الأوطان تُبنى بالقدوات، فإن تكريم أزهري مبارك ليس ترفاً ولا مجاملة، بل واجب وطني وأخلاقي. لذا، فإن الدعوة صادقة لتكوين اللجنة العليا لتكريم رجل البر والإحسان أزهري مبارك، تقديراً لعطائه الممتد ووفاءً لإنسانيته النادرة.
وهي دعوة نوجهها إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وإلى رئيس الوزراء وأعضاء حكومة الأمل، وإلى حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وكل من يؤمن بأن الوفاء قيمة لا تُشترى.قد لا يطلب أزهري مبارك وساماً، فهو زاهد في التكريم، ولكن إن كانت الأوسمة تُمنح على الإخلاص لا على النفوذ، فإن هذا الرجل يستحق وسام الجمهورية الذهبي، لأنه صنع من العطاء سيرةً وطنيةً خالدة ستبقى محفورة في ذاكرة السودان وأجياله القادمة. فأمثاله لا يُكرَّمون بالكلمات فقط، بل تُحفر أسماؤهم في ضمير الوطن، عنواناً للعطاء، ورمزاً للوطنية الصادقة.
أزهري مبارك… رجل جعل من الخير هوية، ومن الإنسانية مذهباً، ومن الوطن رسالةً لا تنتهي.



