أخر الأخبار

احمد محمد بشرى يكتب : السودان.. يقفُ وحدةً وسط الريح

مأساة إنسانية تُدوَّن بالدم وتُروى بالصمت

ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد صراعٍ سياسيٍّ عابر، بل مأساة إنسانية تفوق الخيال، تُدهش العقول وتُقشعرّ لها الأبدان.
من الخرطوم إلى دارفور، تمزّق الحرب نسيج وطنٍ منارةً للحضارة والعطاء، وقدتحوّلت المدن إلى مسارح للفوضى والموت الجماعي.

المشاهد القادمة من الميدان تتحدى قدرة الإنسان على استيعاب ما يجري هناك .
ما وثّقه شهود العيان، وما سجله الجناة بأنفسهم، يرسم لوحة قاتمة لإحدى أسوأ كوارث العصر الحديث:
عمليات تطهيرٍ عرقيٍّ وتهجيرٍ قسريٍّ لملايين المدنيين، واستيلاءٌ ممنهجٌ على الممتلكات، دفعت مراقبين دوليين إلى وصف ما يجري بأنه «إبادة جماعية مكتملة الأركان».

الفاشر.. مدينة تكتب مأساتها بالدم

في مدينة الفاشر وحدها، التي سقطت مؤخرًا بيد مليشيا الدعم السريع، تؤكد التقارير الموثوقة مقتل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مواطنٍ سودانيٍّ بدمٍ بارد، بينهم أكثر من 430 مريضًا داخل مستشفى الفاشر السعودي.
لم يسلم من المجزرة طفل ولا شيخ ولا امرأة.

الصمت الدولي.. شريك في الجريمة

في تطورٍ لافت، وجّه الصحفي الأمريكي البارز نيكولاس كريستوف اتهاماتٍ صريحةً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بتحمّل «مسؤولية مباشرة» عن جرائم مليشيا الدعم السريع، بسبب دعمها المستمر لها.

هذا الاتهام يطرح سؤالاً محرجًا للعالم:
هل استطاع «الدرهم» أن يطمس الرؤية الدولية عن المأساة؟
أم أن الصمت الدولي تواطؤٌ صريح في تنفيذ مخططٍ لتقسيم السودان إلى كياناتٍ هشة؟

الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الحالية والسابقة، تتحمل نصيبًا من المسؤولية بتقاعسها عن محاسبة الحليف الإقليمي، فيما يقف العالم متفرجًا على شعبٍ يُذبح أمام الكاميرات.

إرادة لا تنكسر

رغم الكابوس المروّع، يظل السودانيون أحفاد رماة الحدق الذين لا يعرفون الاستسلام.
كما قال المجاهد عمر المختار

“نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت… وهذه ليست النهاية.”
يؤمن السودانيون أن مدنهم ستُبعث من تحت الرماد، وأن وطنهم سيعود شامخًا رغم الجراح.
فالشعب السوداني يستحضر مجد آبائه التليد — أمثال المهدي، والنجومي، والمك نمر، وعلي دينار، وأسد الشرق عثمان دقنة — وغيرهم من الرموز الذين صنعوا تاريخًا لا يُمحى.

هؤلاء الأحفاد القادمون من رحم المعاناة، سيعيدون كتابة التاريخ بسواعدهم وإرادتهم.

التاريخ لا يرحم القتلة

يُجمع المراقبون على أن المليشيات المكوّنة من مرتزقةٍ بلا مشروعٍ وطني لن تبني دولةً أبدًا.
فالتاريخ يقول إن من قتل الناس على سحناتهم لا يمكن أن يحكمهم بعدل، لأن الشرعية لا تُبنى على الرعب، بل على العدل والمواطنة.

ما جرى في الفاشر أبوزكريا سيكون القاصمة لظهر المليشيا، إذ إن الجرائم الموثقة ضد الأطفال والنساء وكبار السن أعادت للأذهان مجازر سريبرينيتشا ورواندا، بل وتفوقت على فظائع التتار والمغول.
لقد سقط القناع، وكُشف للعالم أن هذه المليشيات خالية من القيم والإنسانية.

صحوة الضمير.. آخر الأمل

السودان، الذي قدّم للحضارة العربية والإفريقية والإسلامية إسهاماتٍ لا تُحصى، لا يستحق هذا المصير المأساوي.
آن الأوان لصحوة ضميرٍ إنسانيٍّ عالميٍّ وعربيٍّ وإسلاميٍّ لوقف نزيف الدم السوداني.

إن الجرائم لن تمر بلا عقاب، فالعقاب الإلهي قادمٌ لا محالة، قصاصًا لدماء الأبرياء وأرواح المظلومين.
والجيش السوداني سيعود، سيفًا مسلولًا في وجه الظلم والعدوان.

السودان يبعث من جديد
من فاشر السلطان إلى نيالا والجنينة،
الأحفاد القادمون من صُلب الرجال الشرفاء قادمون لا محالة،
ليبزغ السودان من جديد — حرًّا، أبيًّا، شامخًا كما كان دائمًا وأبدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − 8 =

زر الذهاب إلى الأعلى