صوت الحق – الصديق النعيم موسى – السودان وستون عاماً من تجربة اللجوء!!

في العام 1967 لجأ خمسة ألآف زائيري إلى بلادنا ومنذ ذلك الوقت ظل السودان مكاناً آمناً لكل من ضاقت به الحياة ففتحت الدولة أبوابها مُشرعة وسُمّيت: ( بسياسة الباب المفتوح ) برغم ظروفها الإقتصادية الطاحنة وبرغم ضعف التمويل إلاّ أنَّ الشعب السوداني ضرب أروع أنواع الأمثلة وقبل أن تُصدّق المعسكرات فتح المواطنون أبوابهم للفارين من ديارهم ومن هنا أقول وبكل فخر وعِزة الشعب السوداني صاحب رسالة فريدة، رسالة تستحق التجربة الرائدة والتوقّف عندها كثيراً لِما فيها من معانٍ وعِبر ودروس يجب أن تستفيد منها الدول في المقام الأول ، ولعلّي أجد نفسي مُهتماً بموضوع اللاجئين لثلاثة أسباب رئيسة، أولهما: تعاطفي تُجاه اللاجئين في شتّى أنحاء العالم، وثانيهما: ضعف الخدمات المُقدّمة للاجئين، وثالثهما: أُزدواجية التعامل مع الدول الفقيرة ( السودان نموذجاً ) هذه الأسباب جعلتني أتعمّق في مِلف اللاجئين ودراسته جيداً من جميع النواحي .
الكثير من الإيجابيات التي قدمها السودان في إستضافة اللاجئين لم ترى النور بعد، هناك إيجابيات كثيرة جداً يقوم بها السودان ( الفقير ) تُجاه اللاجئين، ستون عاماً والدولة تُقدّم لهم الأمن والأمان وتصدّق الأراضي لقيام المعسكرات وتسمح لهم بحرية الحركة والسفر، لم تتضجر الحكومة لم يشتكي المواطن، لم تُضيّق معتمدية اللاجئين على الإجراءات، بل ظلّ الملاذ الآمن، والأمثلة كثيرة، بشهادة المنظمات الدولية والمبعوثون الذين وجدوا اللاجئين في منازل المواطنين إبان الدخول الإثيوبي في نوفمبر 2020.

شهدت البلاد موجات لجوءٍ منذ وقتٍ طويل وقبل تدخُّل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يقوم أهل الولايات بالواجب التام وأهل القضارف في منطقة الهشابة المدينة (8) ومواطني حمداييت بولاية كسلا، هرعوا لنجدة إخوانهم الإثيوبيين ، تم فتح أبواب منازلهم بصورة لم يعرفها العالم والمزارعون يأتون بالذره والسيارات تجوب ولاية القضارف تحمل مكبرات الصوت لتجمع الملابس من المواطنين للذين يقيمون في مراكز الإستقبال، العمال والتُجار ينحرون الماشية ليضيّفوهم هذا الأمر طبيعي جداً لأهل السودان ومستغرب لغيره.

تجربة السودان في إدارة اللجوء تستحق الوقوف كثيراً لأبعادها الإنسانية فعندما تم إنشاء معتمدية اللاجئين كوحدة صغيرة تُعنى بهذا الأمر كان نتاج لإلتزام السودان الأخلاقي أمام المستضعفين الذين لآذوا به، وفي نفس عام التأسيس 1967 تدفقت أعداد كبيرة جداً من اللاجئين الإرتريين بشرق السودان فقدّمت مُعتمدية اللاجئين أنموذجاً طيباً في ذلك الوقت إستمر لأكثر من ثلاثين عاماً حتى العودة الطوعية في تسعينيات القرن الماضي. الأمر الذي يجب كتابته بأحرفٍ من نور وقفة الشعب السوداني في إستضافته للاجئين برغم سوء الأحوال الإقتصادية إستقبلت البلاد ما يتجاوز المليونا لاجئ .

تجربة السودان في اللجوء يجب أن تُدرّس فهي مثالاً حيّاً لستون عاماً من الزمان، لم تغلق بلادنا أبوابها وهي من أفقر دول العالم من حيث المؤشرات ( برغم أنها غنية بمواردها ) يقاسِم فيها الفقير مَن إستجاروا به وتُنشأ المعسكرات بسرعة البرق وبالرغم من أنَّ القانون ينص على تواجد اللاجئ في مركز الإستقبال لمدة ثلاثة أيام إلاّ أنَّ دولتنا سمحت لهم بالمكوث لأشهر طويله حتى تُشيّد المعسكرات الدائمه، ما تُقدّمه الدولة للجوء واللاجئين ليس بالضرورة أن يكون مال فقط ولكنها تسهيلات في نظري أكبر بكثير من المال نفسه، تم التعدّي على الغابات والأشجار التي يذكرها التأريخ، إضافةً لحُرية الحركة والعمل والتجوال.

الدولة السودانية لها المثل الأعلى في إستضافة اللاجئين وعندما أقول الدولة أعني في المقام الأول الشعب المستضيف فهو أحد المنظومات الفاعلة في البلاد وهم أهل الثناء والشُكر والإحترام، ومعتمدية اللاجئين التي تُدير الملف الإنساني، وحكومات الولايات المستضيفة، هؤلاء يمثّلون نموذجاً للجوء وعندما تتكامل الأدوار يكون العمل جماعياً وقوياً ومُرضياً وهذا ما حدث ونجحت التجربة الفريدة لستة عقود وما زالت.

Exit mobile version