ما زال الفساد ينخر جسد الدولة السودانية، وما زالت الحكومة عاجزةً عجزاً تاماً عن ضبط مورد الذهب ومهما حاولت أن تُبرر فإنها المسؤول الأول وبذلك هي في موضع الإتهام الأول بسُلطتها ورقابتها وإشرافها، فإن كانت الدولة كجهازاً تنفيذياً لا تستطيع القضاء على عصابات التهريب، فكيف نحلم بوجود إستقرار إقتصادي يدعم خزينة الدولة ويؤسّس لنهضة ترفع الضغط عن كاهل المواطن الذي تلقّى جميع تجارب الإقتصاد ولم يزداد وضعه إلاّ سوءً. وضعت في مخيلتي ما يحدث في قطاع الذهب والتهريب الكبير للإنتاج وما زال تصريح أحد مُدراء الأمن الإقتصادي في خاطري: (ثمانون في المائه من المنتج يُهرّب) وبما أنَّ السودان من أكبر الدول المنتجه للذهب إلاّ أنَّ نسبة الفقر في إزدياد مُضطردة، مع تقصير في الرقابة من موقع التعدين بجميع مراحله أقول ذلك لأنّ التهريب ما زال مستمر ويتم ضبطه وعرضه على الإعلام.
ظللت ولفتراتٍ متباعدة أكتب عن هذا الأمر لخطورته على الأمن القومي والإقتصادي على السواء، وبين الحين والآخر تزلزل أخبار ضبطيات الذهب المواقع الإلكترونية وتملأ الوسائط ضجيجاً بالأرقام الفلكية التي يتم ضبطها، ويمر الخبر وكأن شيئاً لم يكن، والدولة في ثُبات عميق، حقيقةً لا ننكر وجود مخلصين للوطن يساهمون في مكافحة هذه الظاهرة ولكنها حتماً لا تفي بالغرض والدلائل تُثبت صِحة ما أقول لأنّ إستمرار التهريب لم يتوقّف والسؤال الذي لا يجد إجابة رسمية: كم عدد الضبطيات التي يتم تهريبها والتي لم يتم ضبطها؟ وأين الدور الحكومي والأمني؟ وأين هي التشريعات؟ ما يحدث من تهريب يعلمه القاصي والداني ولا يحتاج لخبير إقتصادي بل يظهر في ميزانية الدولة التي لديها الفُرصة الكافية للإستثمار في هذا القطاع وتوجيه عائده لخزينة الدولة التي تُبنى من كاهل المواطن الذي ظلّ يرفد وزارة المالية بضرائب وجبايات وعوائد ضخمةً جداً.
قطاع الذهب يحتاج لوقفة عاجلة تُعالج أزمة التهريب من جذورها وقطعاً هي قضية تهم كل المواطنين، وبلا شك مع إستمرار ضبط الكميات الضخمة نكرر التساؤلات من هذه الزاوية ونقول بالصوت العالي آن الأوان للجهاز التنفيذي أن يضع حداً لهذا الفساد العظيم وهو فساداً يبيّن العجز في أبهى صوره، مما يؤثّر سلباً في ثروات البلاد الغير متجددة، أما أن يتم القبض بالطريقة التي نشاهدها (إضافةً للذي يُهرّب ولم نسمع به)، يجعلنا نستشعر الخطر من الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع هذا الملف الخطير سنتحدث لاحقاً بمشيئة الله تعالى عن ما يُشاع بالجماعات المستفيدة من التهريب حتى نضع القارئ أمام الصورة ثم نختم سلسلة مقالاتنا بوضع حلول للحكومة لأنّ حلوها لم تُعالج الأمر برمته وما زال الوطن ينزف دماً من تمرد مليشيات حميدتي الإرهابية وذهباً يُهرّب يجب أن يكون رافداً للخزينه.
ونواصل..