
سمية سيد تكتب
بعد رفض الرباعية .. ماذا يريد كامل ادريس من الرياض
زيارة رئيس وزراء السودان إلى المملكة العربية السعودية، مقروءاً في سياق رفض السودان لمقررات “الرباعية” التي تمثل فيها الرياض احد الأضلاع ، بمثابة خطوة استراتيجية تهدف إلى الانخراط المباشر مع لاعب إقليمي رئيسي لحل الأزمة. هذه الخطوة لا تعني بالضرورة رفضاً كاملاً لكافة المساعي الدبلوماسية، بل تمثّل محاولة للتأثير عليها من خلال قناة ثنائية.
موقف السودان من مقررات الرباعية معلوم بعدما رفضت الحكومة السودانية عبر بياني مجلس السيادة ووزارة الخارجية علناً مقررات “الرباعية” التي تضم السعودية، والإمارات، ومصر، والولايات المتحدة. يتمحور الرفض السوداني حول عدة نقاط رئيسية وجوهرية تتمثل في المسّ بالسيادة الوطنية وتدخلا سافرا في شؤونه الداخلية، وتتجاوز صلاحياتها، بفرض شروطاً لا تتوافق مع مبدأ السيادة الوطنية.
موقف المملكة العربية السعودية من مقررات الرباعية لا تعني التخلي عن منبر جدة بل هو استكمال وتعزيز للجهود الدبلوماسية لحل الأزمة في السودان .. وكل هذه الجهود والتحركات بعلم قيادات الدولة السودانية .ورغم انخراط السعودية في اللجنة الرباعية تظهر تصريحات ومواقف المسئولين السعوديين ان المملكة لم تتخل عن منبر جدة ، بل العكس فهي تؤكد على ضرورة استئناف المفاوضات والالتزام بإعلان جدة الذي وقع في مايو ٢٠٢٣ .. وينظر إلى مشاركة السعودية في الرباعية على انها محاولة لتوحيد المسارات الدبلوماسية المختلفة وتنسيق الجهود الدولية والإقليمية للوصول إلى الحل النهائي لوقف الحرب وذلك عبر دمج المسارين ( جدة والرباعية ) بدلا من التمسك بواحد. بالرغم من ان الرباعية تهدف إلى خارطة طريق سياسية تشمل ليس فقط وقف إطلاق النار والحوانب الانسانية بمثل ما جاء في إعلان جدة بل ذهبت إلى اكثر من ذلك بتحديد مسار الحكم الانتقالي وتشكيل الحكومة المدنية وتحديد مدى زمني مما أثار غضب الرأي العام السوداني ورفض الحكومة .
دلالات زيارة رئيس الوزراء د كامل ادريس للرياض لها ابعاد داخلية واقليمية ودولية، حيث
تكتسب اهميتها كون انها تأتي بعد فترة وجيزة من رفض مقررات “الرباعية” التي تُعتبر السعودية أحد أبرز الفاعلين فيها.
يمكن قراءة هذه الزيارة من منطلقات فتح قنوات بديلة للحوار اذ تسعى الحكومة السودانية من خلال هذه الزيارة إلى التوصل إلى حوار مباشرة مع السعودية بعيداً عن الإطار الجماعي لـ “الرباعية”.
كذلك التأثير على الموقف السعودي من الأزمة، وتقديم وجهة النظر السودانية مباشرة إلى الرياض، مع الأمل في أن تقوم السعودية بتبني موقف أكثر تفهماً لوجهة النظر السودانية.
ايضا تأكيد الموقف الدبلوماسي اذ ان الزيارة ترسل رسالة واضحة بأن السودان لا يرفض الحلول الدبلوماسية، بل يبحث عن حلول تحترم سيادته الوطنية وتطلعات شعبه دون إملاءات دولية وبعيدا عن تدخل دولة معتدية مثل حكومة ابوظبي
تُظهر هذه التحركات أن الحكومة السودانية لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تسعى بشكل فاعل لإعادة تشكيل المسار الدبلوماسي بما يخدم مصالحها الوطنية.
وتُعدّ الزيارة ايضا مناورة دبلوماسية تهدف إلى إيجاد حل يحترم سيادة السودان، مع الاستفادة من العلاقات الثنائية القوية مع المملكة العربية السعودية، كبديل عن الانصياع الكامل لمقررات جماعية قد لا تتوافق مع رؤيتها للمستقبل السياسي للبلاد.
على مستوى العلاقات الاقتصادية تعد السعودية شريكا مهما للسودان ولها استثمارات ضخمة .. صحيح هذه الاستثمارات واجهت مشاكل ضخمة من قبل بعض الجهات الرسمية والتدخل السياسي السافر في ملف الاستثمار ومواجهات غير موضوعية من قبل المجتمعات المحلية لكنها تحديات مقدور عليها في ظل حكومة قوية تسعى إلى شراكات قوية مع بعض الدول عبر العلاقات الثنائية واستقطاب رؤوس اموال القطاع الخاص .
ومن ابرز هذا التعاون المتوقع هو استغلال الثروات الكامنة في البحر الاحمر عبر مشروع اطلانتس ٢ المشترك الذي يهدف إلى استخراج المعادن من قاع البحر الاحمر في المنطقة المشتركة بين البلدين والتي تحتوي على كميات كبيرة من الذهب والزنك والنحاس مما يشكل كنزا اقتصاديا هائلا .
السعودية تهتم بالاستثمار في البنية التحتية في مجال تطوير الموانئ السودانية هذا بجانب الاستثمار في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية والصادرات .
السعودية معنية بشكل مباشر بأمن البحر الاحمر واستقراره . وتولي الدولتان اهمية بالغة للتعاون الامني لضمان سلامة الملاحة على البحر الاحمر ومكافحة التهديدات المشتركة .
لذلك من المهم سعي البلدين إلى التنسيق الدبلوماسي لتعزيز الامن الإقليمي وتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك .
كما يجب النظر إلى جهود السعودية في دعم السلام في السودان باعتباره جزءا لا يتجزا من استراتيجيتها الأوسع لضمان امن المنطقة وسلامتها .