عادةً ما تغلّف الدول الكبرى مصالحها السياسية بغطاء الدبلوماسية والاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات والسعي لإيجاد حلول سياسية للأزمات والحروب.
وفي ظل تصاعد الانقسامات السياسية والعسكرية داخل السودان، كان مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، قد أعلن عن تنظيم مؤتمر رباعي على المستوى الوزاري في واشنطن لبحث الأزمة السودانية. حيث دعت واشنطن لعقد اجتماع رباعي في نهاية يوليو الماضي، بمشاركة الإمارات، السعودية، ومصر، لإيجاد حل للأزمة السودانية. في الوقت الذي يتنازع فيه طرفي الصراع بالسودان على السلطة والشرعية: الأول يتمثل بالحكومة السودانية الشرعية المعترف بها دولياً، بقيادة الجيش في بورتسودان والخرطوم، والثاني يتمثل بحكومة تحالف السودان الجديد “تأسيس” بقيادة “الدعم السريع” التي أعلنت تشكيلها في يوليو الماضي في مدينة نيالا بإقليم دارفور.
وبحسب خبراء ومراقبين، لم يخرج مؤتمر الرباعية الدولية بأي نتائج تذكر وفشل بالتوصل لحل ينهي الصراع، كما أنه لم يسهم بأي تقدم نحو حل الأزمة السودانية لأنه لا يراعي مصالح السودانيين بل مصالح واشنطن والدول المجتمعة. يأتي ذلك وسط تساؤلات كثيرة حول أهداف التحركات الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة التي أعقبت مؤتمر الرباعية الدولية.
بعد فشل اجتماع الرباعية.. مستشار ترامب يلتقي البرهان وحميدتي
في سياق متصل، أفادت وسائل إعلام محلية ودولية نقلاً عن مصدران في الحكومة السودانية، بأن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان التقى بمستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في سويسرا في منتصف أغسطس الجاري. حيث بحثا مقترحاً أمريكياً لإرساء السلام في السودان.
وبحسب المصادر فإن اللقاء استمر 3 ساعات، وهو الأول من نوعه، والأعلى مستوى على هذا الصعيد منذ أشهر، ويأتي في أعقاب فشل وساطات سابقة، أمريكية وسعودية، لوقف إطلاق النار.
من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة أن قائد ميليشيا “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قد التقى مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس في واشنطن، بعد ساعات من لقاء الأخير برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.
وبحسب المصادر، فإن طائرة خاصة تابعة لشركة “رويال جت” الإماراتية، سبق لحميدتي استخدامها، قد أقلعت من أبو ظبي إلى جنيف في 15 أغسطس الحالي.
وبحسب التسريبات، فقد أكد بولس للبرهان رغبة واشنطن بوقف الحرب فوراً، وإجراء مفاوضات مباشرة مع الإمارات لخفض التوتر، وبناء علاقات أمريكية مباشرة مع السودان شرط تحقيق تحول مدني ديمقراطي وإعادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. أما بالنسبة للبرهان فقد أبدى تصلباً في الموقف تجاه “الدعم السريع” وأي دور لها في مستقبل العملية السياسية في السودان. وبحسب مصادر دبلوماسية عربية وغربية، فإن اللقاء بين الطرفين تم بترتيب قطري، وسط تكتم شديد.
وكانت محاولة أمريكية سابقة لجمع قوى خارجية ينظر إليها على أنها الأكثر تأثيراً لدى الطرفين المتحاربين، أي السعودية ومصر والإمارات، باءت بالفشل بسبب خلاف سياسية بين الدول المجتمعة.
ماذا وراء تحركات واشنطن السرية بالملف السوداني؟
اللقاءات التي وصفت بـ “السرية” تأتي وسط تحفظ أمريكي شديد على كشف تفاصيلها. مما طرح إشارات استفهام كبيرة حول طبيعة وأهداف واشنطن من وراء تلك اللقاءات والملفات الحساسة التي تُدار خلف الأبواب المغلقة.
وبحسب الباحث المتخصص بالشأن السوداني محمد سعد الدين الحوشاني، فإن اللقاءات السرية التي أجرتها واشنطن مع البرهان وحميدتي جاءت لعدّة أسباب وأهداف. والسبب الأول لتلك اللقاءات وفقاً للحوشاني يتمثل برغبة واشنطن بفرض حلول على طرفي النزاع في السودان والدول الإقليمية المتدخلة في الصراع تلبي مصالحها في السودان ومنطقة البحر الأحمر وتخدم أهدافها. وبالتالي فإن واشنطن تسعى لفرض حل يناسب مصالحها وليس مصالح الشعب السوداني. أما السبب الثاني فيتمثل بفشل اجتماع الرباعية وغيره من اللقاءات والاجتماعات لحل الأزمة السودانية بسبب سعي واشنطن والبعض القوى الإقليمية والغربية لفرض حلول تخدم مصالحها وأهدافها، وبعيدة عن مصالح المواطن السوداني.
ووفقاً للخبير فإن واشنطن تريد من وراء هذه الاجتماعات توسيع نطاق تدخلها بالملف السوداني، أما الامارات ترغب بمنح ذراعها العسكري “الدعم السريع” وقت أكبر ليعيد تجميع قواته. أما السعودية ومصر فيدعمون الحكومة والجيش لضمان أمنهم القومي وأمن البحر الأحمر ضد “الدعم السريع”. من جهة أخرى فإن واشنطن قلقة على نفوذها من تداعيات الأزمة السودانية، وخاصة البحر الأحمر بعد تراجع حليفها “الدعم السريع” أمام ضربات الجيش، حيث تخشى واشنطن أي اختراق للجيش السوداني من الصين أو روسيا أو إيران، يمنحهم نفوذاً بحرياً وعسكرياً، ما يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
ويذكر بأن الحكومة السودانية تتهم دولة الإمارات بدعم قوات “الدعم السريع”، وهو ما تنفيه أبو ظبي، حيث رفعت الحكومة السودانية شكوى رسمية ضد الامارات في مجلس الأمن بتهمة تهريب السلاح والمرتزقة لقوات الدعم السريع عبر تشاد.
وكانت قوى سياسية ومنظمات حقوقية سودانية، قد طالبت بالشفافية حول مضمون هذه الاجتماعات لتفادي الشائعات، ودعت لمصارحة الشعب بمخرجات هذه المباحثات.
ومع دخول الحرب عامها الثالث، صارت البلاد منقسمة بحكم الأمر الواقع بين المتحاربين، إذ يسيطر الجيش على الوسط والشرق والشمال، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على كل دارفور تقريبا وأجزاء من الجنوب.