صرخة ” يأجوج ومأجوج”،، “تأسيس” في مهب التصدُّعات

وجَّه انتقاداتٍ لاذعة لتشكيل ما يسمى بالحكومة الموازية،،

..

هوّة كبيرة بين هيمنة نخب الخارج، وإقصاء القاعدة الميدانية..

اتهام حميدتي بإهانة دماء المقاتلين، وإفراغ القضية المزعومة من محتواها..

بعض الاسماء المختارة لشغل المناصب لم تكن جزءً من مسار القتال..

الركابي: المشروع الأجنبي، خدع الميليشيا، وأهدر دماء مقاتليها..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

وجّه القائد الميداني لميليشيا الدعم السريع محمد الفاتح المشهور ب “يأجوج ومأجوج” انتقادات حادة بشأن الإعلان عن تشكيل ما يسمى بالحكومة الموازية لتحالف السودان التأسيسي، ولم يوارِ “يأجوج ومأجوج” في تسجيل مصور مبذول على منصات التواصل الاجتماعي، غضبه، ويعبِّر عن استيائه من القائد العام للميليشيا محمد حمدان دقلو، بموافقته على هذا التشكيل الذي صاحب حكومة تأسيس معتبراً التعيينات التي تضمنها الحكومة، مجافية للواقع، ومهينة لدماء المقاتلين في الجبهات، منوهاً إلى أن بعض الاسماء التي تم اختيارها لشغل مناصب رفيعة لم تكن جزءً من مسار النضال أو جبهات القتال، بل كانت تقيم في المهاجر لأكثر من ثلاثين عاماً، بينما تم تهميش مقاتلين قدّموا الغالي والنفيس، وسُفكت دماؤهم دفاعاً عن القضية التي تم إفراغها من محتواها، وزاد: “حكومتكم دي بلوها وأشربوا مويتها”.

صفعة موجعة:
ووفقاً لمراقبين فإن انتقادات القائد الميداني ” يأجوج ومأجوج”، تمثل صفعة موجعة في وجه ما يسمى بالحكومة الموازية التي ما زالت في مهدها، وتعيد إلى الواجهة مجدداً الخلافات العميقة والانقسامات الكامنة داخل صفوف التحالف الهش، الذي يحاول تقديم نفسه بصورة قوية ” تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى”، لتأتي انتقادات “يأجوج ومأجوج” اللاذعة وتكشف عن حجم الهوّة الكبيرة والسحيقة بين الصف السياسي لتحالف تأسيس الذي تُهيمن عليه نُخب الخارج، وبين القاعدة الميدانية التي تمثل العمود الفقري الفعلي للقوة على الأرض، لتطرح هذه الانتقادات تساؤلات عميقة حول شرعية ما يسمى بالحكومة الموازية، وقدرتها على الصمود في ظل تصدعات بدأت تتحرك من الداخل قبل أن تواجه حتى ضغوط الخارج.

مشروع مأزوم داخلياً:
ويرى محللون للشأن السياسي السوداني أن انتقادات القائد “يأجوج ومأجوج” قد فتحت الباب واسعاً أمام المزيد من التحليلات بشأن مستقبل ما يسمى بحكومة “تأسيس”، التي نشأت على عجل وفي ظروف استثنائية، وبلا قاعدة سياسية موحدة أو مشروع وطني متماسك، ذلك أن التحالف ورغم شعاراته البرّاقة، لا يزال أسيـر التناقضات الإثنية والجهوية التي لطالما أعاقت تجارب الحكم في السودان، حيث يعكس التكوين الإثني للحكومة الموازية اختلالاً كبيراً في مبدأ التمثيل الذي حاولت قيادة التحالف أن تُبرزه بشكل بدا وكأنه محاولة لاسترضاء جماعات بعينها دون أخرى، ما أدى لتغذية شعور بالإقصاء لدى مكونات محلية كانت فاعلة في مشهد الحرب والسيطرة الميدانية، ولعل هذه التناقضات لا تعكس فقط فشل في التمثيل العادل، بل تؤسس لفجوات سياسية يصعب ردمها لاحقاً، خاصة إذا تحولت إلى صراعات بينية داخل ميليشيا الدعم السريع نفسها التي تعتبر صاحبة القدح المعلَّى في هذه الحكومة.

أول الغيث:
ويتخوف متعاطفون مع ما يسمى بالحكومة الموازية من أن تكون الانتقادات الصادرة عن القائد يأجوج ومأجوج أول قطرة لغيث ماطر من اعتراضات أخرى لقادة ميدانيين غاضبين من عملية الاقصاء والتهميش التي طالتهم بعد أن اكتووا بنيران الحرب، وخبروا مآسيها على الأرض، ولكنهم وجدوا أنفسهم خارج معادلة تقسيم السلطة والمناصب، فمثل هؤلاء الذين يحملون السلاح ويسيطرون فعلياً على مناطق في إقليمي كردفان ودارفور، سيرفضون بالطبع أي قرارات فوقية تعيد إلى السطح مرارة الإقصاء السياسي الذي يُنتج هذه المرة من داخل “البيت”، وبالتالي فإن أي تصعيد من القادة الميدانيين سيضعف من تماسك التحالف الجديد، وربما يسرّع بانقسامه، أو يحد من شرعيته المزعومة كسلطة بديلة، فغياب التوافق الداخلي واستبعاد أصحاب السلاح الحقيقيين ينذر بانفجار داخلي قد يقضي على المشروع من أساسه.

ضحية خداع:
ويرى الباحث الأكاديمي والكاتب الصحفي الأستاذ الركابي حسن يعقوب أن النقد اللاذع الذي وجهه القائد الميداني بميليشيا الدعم السريع المتمردة “يأجوج ومأجوج” بشأن تشكيل ما يسمى بحكومة تأسيس، يعبِّر عن السواد الأعظم ليس فقط وسط المقاتلين والقادة الميدانيين بالميليشيا ولكن أيضاً وسط المكونات والحواضن الرئيسة للميليشيا، وقال الركابي في إفادته للكرامة إن هذا النقد قد أوضح بجلاء أن الحكومة الموازية لم تكن ضمن بنود (القضية) كما يسمونها والتي ظلوا يقاتلون من أجلها، وأن مشروعهم قد ضاع وتبدد، وأن دماء أبنائهم ضاعت هدراََ لصالح مشروع أجنبي لا يمت بصلة لطموحاتهم وآمالهم، مبيناً ان صرخة ” يأجوج ومأجوج” كشفت أن المقاتلين في صفوف ميليشيا الدعم السريع كانوا ضحية لعملية خداع كبرى شارك فيها قادتهم الكبار، واعتبر الركابي أن انتقادات ” يأجوج ومأجوج” سيكون لها ما بعدها من تداعيات وتصدعات خطيرة داخل الميليشيا في الأيام القادمة على المستوى القاعدي والوسيط وهو ما سيعجل بانهيار الميليشيا أمام الحملة العسكرية التي تقودها القوات المسلحة والقوات المساندة لها وهي تتأهب لخوض معركة فكِّ الحصار عن مدينة الفاشر، واستعادة بقية مدن دارفور من يدي الميليشيا المتمردة.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فإن الانتقادات التي وجّهها القائد الميداني بميليشيا الدعم السريع “يأجوج ومأجوج” ليست مجرّد اعتراضات معزولة، بل هي مؤشر خطير على أزمة شرعية داخل ما يسمى بحكومة تأسيس الوليدة، الأمر الذي يشير إلى أن المشروع المزعوم لبناء حكومة موازية قد ينهار تحت وطأة تناقضاته الداخلية، وأن تجاهل التباينات الإثنية والجهوية، وتنامي الشعور بالغبن وسط المقاتلين سيُنتج صراعاً جديداً داخل “المعسكر الواحد”، وفاقد الشيء لا يعطيه.

Exit mobile version