كانت القارة الإفريقية قبل إشتعال حركات التحرر الذي قاده أبطالها ضد المستعمر الأجنبي من امثال نيلسون مانديلا ونيكروما وعمر المختار وباتريس لوممببا وأبطال إستقلال السودان من أمثال اسماعيل الأزهري والمحجوب، كانت القارة السمراء مقسمة بين الاستعمار الانجليزي الأنقولوفوني والإستعمار الفرنسي الفرانكوفوني وقليل جدا منها تحت سيطرة التمدد الأسباني ولم يكن ذو تأثير يذكر..
معلوم للجميع أن الإستعمار الإنجليزي في القارة الإفريقية قد إهتم بالجانب العسكري والإقتصادي بربط الدول التي استعمرتها بريطانيا بالدولة التي غابت شمسها وليس كما كانت تسمي نفسها علي أيام قوتها وسطوتها ونموذج نهب ثروات الكثير من الدول الإفريقية لتكون مادة خام للمصانع البريطانية الا نموذجا…وإنشاء مشروع الجزيرة في السودان عام 1925م ليوفر المواد الخام وهي القطن لمصانع لانكشير البريطانية لتصنيع اجود الملابس القطنية من قطن السودان واستمر نهب موارد السودان للأسف إلي يومنا هذا بظهور الذهب والمعادن النفيسة والتي يتم تهريبها ليس خلسة وانما علي مرأي ومسمع الحكومية الوطنية وتلك قصة اخري…
أما الاستعمار الفرنسي لم يهتم كثيرا بالجانب العسكري ولكن ضرب الجهاز المركز للعقل الإفريقي بإهتمامه بالثقافة والتعليم حيث عمد علي مسح ثقافة الدول الإفريقية التي استعمرها في شمال القارة وغربها وأغرق التعليم بالمدارس الفرنسية بما اسماه المدارس الحديثة مقابل المدارس القرآنية او التقليدية والتي لا يجد خريجوها حظا في الوظيفة او التعليم العالي كما يجده خريجو المدارس الحديثة التي تستخدم اللغة الفرنسية كوسيلة للتدريس مقابل اللغة العربية التي تستخدمها المدارس التقليدية…وقد ظهر ذلك الصراع بين المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة جلياً في كتابات بعض المثقفين الأفارقة امثال شيخ حميدو كان في كتابه الغريب (L’étranger ) وغيره من الكتاب الأفارقة ممن تأثروا بالثقافة الفرنسية بل وقد صنعوا حكاما لبعض الدول من أمثال ليوبولد سيدار سنقور وعبدو ديوف وغيرهم ونالوا عضوية الأكاديمية الفرنسية….فرنسا أيضا لم تكن بعيدة عن سياسة نهب موارد الدول الافريقية واستغلالها لصالحها البن والكاكاو واليورانيوم والنحاس في تشاد وافريقيا والوسطي والسنغال وساحل العاج والكونغو الديمقراطية..
كل ذلك وتذويب اللغة العربية في اللغة في الفرنسية في الدول العربية في شمال افريقيا كتونس والجزائر والمغرب الا نموذجا لهذا النوع من الاستعمار الثقافي..
مناسبة حديث اليوم زيارة قام بها سفير السودان بجمهورية السنغال عبدالغني النعيم الي الشركة السنغالية للطباعة والنشر والتي تصدر عنها اكبر صحيفة في البلد ناطقة باللغة الفرنسية اسمها(Le Soleil) وتعني الشمس…إلتقي سعادة السفير عبدالغني بمدير الشركة لامين يانغ وأعضاء المجموعة وقدم لهم شرحا وافيا عما يدور في السودان وكشف عورات المليشيا المتمردة والدول التي تدعمها والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها المليشيا في حق المواطن السوداني من نهب واغتصاب وابادة جماعية وتشريد واحتلال وكل جرائم الحرب…وقد وجد حديثه الضافي حظه من النشر كاملا في صحيفة الشركة…
السنغال كانت مقرا لوكالة بانا الافريقية وكان للسودان فيها نصيب الأسد وتشرفت بأن أكون مراسلا لها باللغتين الانجليزية والفرنسية لعدة سنوات وكانت رقما بين الوكالات العالمية إلا أن نجمها قد أفل وأختفت بسبب التمويل وربما الخلافات الإفريقية وأيضا محاولة دول الإستعمار كتم الصوت الإفريقي..
نشاط السفير في هذا المجال يحسب له فقد حقق إختراقاً مهماً ومطلوباً وبالمقابل فقد أرسل رسالة هامة للإعلام السوداني وللوزير خالد الإعيسر بعد العودة بالسلامة لموقعه.. وأول الرسائل وقد وجهناها له قبل ذلك ونكرر..وهي ضرورة تنشيط الملحقيات الإعلامية في عدد من السفارات الهامة في العالم بتولي كفاءات اعلامية لها خبرتها واسهامها وفق معايير علمية ومواصفات شخصية ليس من بينها الصداقة او المعرفة او الترضية او المحاصصة…والرسالة الثانية بصناعة وتقوية الرسالة الإعلامية السودانية بأكثر اللغات الأجنبية حضورا في العالم…فمخاطبة العالم باللغة العربية وحدها لا يكفي بل في كثير من الأحيان يحدث ضررا كبير بسبب ما تخضع له رسالتنا الإعلامية للترجمة لهذه اللغات وهم يجهلون الكثير عنا من حيث سياسة البلد وثقافتها ووضعها الجغرافي وربما ينقلون عمدا ما يخدم أهدافهم وهذا هو الغالب…
فقد ألقي سفير السودان في السنغال عبدالغني النعيم حجرا في بركة ساكنة وقبله فعلها الكثير من السفراء بعقد المؤتمرات الصحفية تعويضا عن غياب الاعلام في سفاراتنا بالخارج وذلك علي ايام وزير الخارجية المتميز صاحب الخبرة الطويلة والرؤية الثاقبة للدبلوماسية دكتور علي يوسف الشريف الذي لم يترك لإكمال ما بدأه من إختراق في عمل وزارة الخارجية….فالتكن خطوة للإصلاح والتقويم والتطوير…
قبل المغيب – عبدالملك النعيم احمد – الإعلام السوداني والإنفتاح تجاه إفريقيا الفرانكوفونية..
