تصريحات أحمد هارون،، رسائل الداخل والخارج

أثارت جدالاً واسعاً ونقاشات ساخنة على التايم لاين..
.

تجديد التأكيد بعدم مشاركة الإسلاميين في السلطة إلا عبر الانتخابات..

المطالبة بوجود الجيش في السلطة لمجابهة ضرورات أفرزتها الحرب..

مراجعات داخلية للإسلاميين للقبول بلعبة السياسية وفق قواعد جديدة..

الجنرال معاوية: هارون حاول كسر العزلة، وإعادة الإسلاميين للمشهد..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

أثارت التصريحات التي أدلى بها أحمد هارون رئيس المؤتمر الوطني “الحزب الحاكم السابق للسودان” ردود أفعال واسعة في الأوساط السودانية بالداخل والخارج، حيث سار التايم لاين بتداعيات هذه التصريحات التي قال بها هارون في مقابلة نادرة مع وكالة “رويترز”، فقد عمد الرجل المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية إلى إرسال تطمينات إلى الساحة السياسية السودانية، بتجديده الحديث عن زهد الحركة الإسلامية في المشاركة في السلطة خلال الفترة الانتقالية، مع التأكيد على حاجة البلاد إلى استمرار وجود الجيش على سُدة الحكم في ظل التداعيات السلبية والمهددات الأمنية التي فرضتها الحرب المستمرة منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م

زخم سياسي:
ووفقاً لمراقبين فإن تصريحات أحمد هارون قد حركت الكثير من المياه وأضافت زخماً جديداً إلى المشهد السياسي السوداني المُعقَّد، في لحظة مفصلية تبحث فيها البلاد عن مخرج من أتون الصراع الدموي إلى الاستقرار الدائم، ذلك أن حديث الرجل عن أهمية وجود الجيش في السلطة ليس عنواناً جديداً يتصدر مشهد السياسية السودانية، ولكنه إشارة تحمل دلالات عميقة في هذا التوقيت الحساس من عمر البلاد والذي تحوّل فيه الجيش إلى الحصن الأخير، والملاذ الآمن لحماية وحدة وتماسك وسيادة البلاد والحفاظ على مؤسساتها بعد الانهيار الشامل الذي سبّبته ميليشيا الدعم السريع منذ تمردها قبل نحو عامين ونصف، فدعوة أحمد هارون بضرورة إيجاد “نموذج” لإشراك الجيش، لا يعني بالضرورة عسكرة الدولة بقدر ما يُقرّ الرجل بواقعٍ فرضته الضرورات الأمنية والسياسية، والتي أملت على المؤسسة العسكرية أن تضطلع بدور محوري في مرحلة ما بعد الحرب.

الظهور الإعلامي لهارون:
ويُرجع محللون سياسيون، توقيت الظهور الإعلامي لرئيس المؤتمر الوطني ” الحزب الحاكم السابق في السودان” إلى العديد من المعاني والدلالات، إذ يحمل التوقيت بين طيّاته رسالة مهمة للداخل مفادها أن الإسلاميين، وعلى رأسهم قيادات المؤتمر الوطني، ما زالوا جزءً من الفاعلين السياسيين القادرين على التأثير في مستقبل البلاد، لكنهم يبدون هذه المرة بصورة أكثر اعتدالاً وتعقلاً، فيما يرى آخرون أن توقيت ظهور أحمد هارون فيه رسالة للخارج، وتحديداً دول العالم الغربي الأول، ومنظماته الحقوقية والإنسانية، حيث يقول فحواها: إن التيار الإسلامي لم يعد يُخطط للعـودة عبر بوابة الانقلابات أو تسويات الظل، وإنما يُعلن التزامه العلني بخيار الانتخابات، وبجانب رسالتي الداخل والخارج فإن الظهور الإعلامي لمولانا هارون يدعم القوات المسلحة معنوياً ولو بطريقة غير مباشرة بدعوتها إلى استكمال مهامها في حماية الدولة السودانية، هذا فضلاً عن منح الجيش شرعية سياسية مضمرة في سياق مطالبته بضرورة أن يشارك الجيش في مستقبل حكم البلاد، وبحسب مراقبين للمشهد السياسي السوداني فإن تجديد هارون الحديث عن عدم رغبة الإسلاميين في المشاركة في أي حكومة انتقالية، وأن عودتهم للسلطة إن حدثت ستكون فقط عبر صناديق الاقتراع، يتضمن رسالة مبطّنة تحمل في طياتها ما يمكن قراءته كـتطمينات تكتيكية لخصوم الإسلاميين في الداخل والخارج، ونفي تهمة التربص بالسلطة، لكن في ذات الوقت لا يمكن عزل هذا الموقف عن التحولات الفكرية والسياسية التي تجري داخل التيار الإسلامي السوداني منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019م، فالواضح أن هناك مراجعات داخلية باتجاه القبول بلعبة السياسة وفق قواعد جديدة، والانخراط في عملية تعافٍ سياسي شامل بعد أن اتضح للجميع أن الإقصاء والتهميش الاستبعاد لم ينتج سوى فراغات مدمرة ملأتها الميليشيات واللاعبون الإقليميون والدوليون من الطامعين في موارد وثروات البلاد.

إعادة تموضع سياسي:
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي دكتور معاوية علي عوض الله الشهير ب” الجنرال معاوية دانيال” أن ظهور أحمد هارون في هذا التوقيت، وحديثه عن دور الجيش وزهد الإسلاميين في السلطة، لا يعدو أن يكون جزءً من إعادة تموضع سياسية تهدف إلى كسر العزلة وإعادة إنتاج حضور الحركة الإسلامية في مشهد ما بعد الحرب، وقال إفادته للكرامة إن الكثير من أطراف المشهد السياسي ستنظر لتصريحات رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول بعين الريبة والشك خاصة إذا لم تتبع هذه التصريحات خطوات عملية على الأرض تؤكد الالتزام بالخطاب الجديد، وتُبدي استعداداً حقيقياً للمصالحة الوطنية والقبول بالتعدد السياسي، وأكد الجنرال معاوية دانيال أنه لا يكمن قراءة تصريحات أحمد هارون إلا في سياق المساهمة في تهيئة الأرضية للتعافي السياسي، مبيناً أن مصداقية هذا الطرح “الهاروني” ستُختبر في المواقف اللاحقة، للتأكيد على مدى التزام التيار الإسلامي بخيار التداول السلمي والقبول بالآخر، بعيداً عن عقلية الإقصاء التي ورّثت البلاد كل الويلات التي يقاسيها الشعب السوداني حالياً.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإنه وبرغم الجدل والنقاش الساخن الذي أثارته التصريحات التي أدلى بها مولانا أحمد هارون رئيس المؤتمر الوطني ” الحزب الحاكم السابق في السودان”، فإن قرائن الأحوال تؤكد أن هارون حاول بهكذا حديث أن يُرتِّب المسرح السياسي السوداني لمرحلة ما بعد الحرب، باعتبار أن الموقف المعلن للحركة الإسلامية بعدم المشاركة في السلطة الانتقالية، وقبول اللعبة الديمقراطية، هو في ظاهره مساهمة في التمهيد لتحوّل سياسي وتبادل سلمي للسلطة في المستقبل، يتجاوز منطق المحاصصة والتمكين إلى التسابق السياسي عبر صناديق الاقتراع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

Exit mobile version