معاناة الشعب السوداني.. بين مطرقة الحرب وسندان مصالح الرباعية الدولية

يترقب السودانيون اجتماع الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر)، المقرر عقده في واشنطن في 29 من يوليو (/تموز) الحالي، وما قد يتقرر فيه من خطوات لوقف الحرب المستمرة في بلادهم منذ أكثر من عامين، بعد تعثر كل المبادرات الإقليمية والدولية.

وبحسب بعض الخبراء والمراقبين، فإنه مع كل تراجع لمناطق سيطرة قوات “الدعم السريع”، ومع كل تغيير بخرائط النفوذ على الأرض، تتعالى أصوات من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية داعية لمؤتمرات واجتماعات من أجل التفاوض وإنهاء الصراع الدائر في البلاد. وذلك يشير بوضوح إلى تورط قوى دولية وإقليمية في الملف السوداني، هي من تدعم وتسلّح ميليشيات وجماعات محلية سودانية، وتقرر بالنيابة عنها متى يتوقف القتال وكيف وبأي ثمن.

ووفقاً للكاتب الصحفي والخبير بالشأن السوداني إبراهيم عبد ربه، فإن الأنشطة السياسية والدبلوماسية المرافقة للتطورات العسكرية على الأرض تدل بوضوح على أن القرار السياسي والعسكري في السودان لا يأتي من الداخل بل من الخارج.

يأتي ذلك، وسط أكبر أزمة نزوح في العالم يشهدها السودان. ووفقاً لفيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن “ثلث سكان السودان نازحون. وامتدت عواقب هذا الصراع المروع والعبثي إلى ما وراء حدود السودان”. في المجمل، نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليا بينما عبر نحو 3.8 مليون لاجئ الحدود، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع هذا العدد بنحو مليون شخص في عام 2025.

مؤتمر جديد حول السودان بشعارات رنانة وأهداف خطيرة مبطنة

في السياق ذاته، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، عن تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن بنهاية يوليو الجاري لبحث الأزمة في السودان، بمشاركة وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي.

وأكد بولس في تصريح نقلته صحيفة “سودان تربيون” أن المؤتمر يهدف إلى إعادة إحياء المبادرة الرباعية، مع التشديد على الموقف الأمريكي الرافض لأي حل عسكري. ووقف الأعمال العدائية والعودة إلى المفاوضات.

وبحسب مصدر دبلوماسي مطّلع فإن الاجتماع الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية كان من المقرر عقده في 20 يوليو، ولكن تم تأجيله، بسبب خلافات حول مشاركة الأطراف السودانية أو عدمها.

وكان أكثر من مصدر قد أكد أنه “من غير المتوقع أن يشارك طرفا القتال في الاجتماع، بأي صيغة مباشرة أو غير مباشرة، كما تغيب عنه القوى المدنية والكتل السياسية الأخرى”. ليتم لاحقاً إقرار الاجتماع دون حضور أي مكون سياسي سوداني مما طرح إشارات استفهام كبيرة حول سبب عدم دعوة السودانيين لاجتماع يخص أزمة بلدهم.

ويتوقف نجاح الاجتماع على موازنات إقليمية، وتوافق دول الرباعية حول ترتيبات وقف إطلاق النار، وما يعقبها من عملية سياسية بمشاركة كل الأطراف السودانية.

دلالات مكان وزمان انعقاد المؤتمر والمشاركين به

وبحسب مصادر دبلوماسية عربية وغربية فإن الاجتماع المزمع، سيناقش رؤية أميركيا والدول المشاركة لإنهاء الحرب في السودان، لذلك سوف يتم عقده بواشنطن وبدعوة أمريكية.

أما بالنسبة لدلالات المشاركين، فبحسب الباحث المتخصص بالشأن السوداني حبيب الله علي سعيد، فإن واشنطن تريد من وراء الاجتماع توسيع نطاق تدخلها بالملف السوداني، أما الامارات العربية المتحدة تريد منح “الدعم السريع” وقت أكبر ليعيد تجميع قواته وتوزيعها وتسليحها. أما السعودية ومصر فبحاجة لضمان أمنهم القومي وأمن البحر الأحمر ودعم الطرف الذي يخدم مصالحهم.

وبالنسبة للزمان، وفقاً لـ سعيد فإن الخسائر التي تلقتها قوات “الدعم السريع” المدعومة أمريكياً وغربياً وإماراتياً، في الأشهر القليلة الماضية دفعت الدول المذكورة للتحرك لإنقاذها وخاصة بعد استعادة الجيش السوداني للسيطرة على العاصمة الخرطوم ومحيطها.

خبير: واشنطن قلقة على نفوذها بالبحر الأحمر والاجتماع ليس لمصلحة السودان

وفقاً للباحث في الشؤون الأفريقية مصطفى عثمان العبدلله، فإن عودة ملف السودان لسلّم الأولويات الأمريكية بالإضافة لاهتمام الإمارات ودول غربية به، بالتزامن مع تقدم الجيش السوداني ميدانياً يحمل دلالات كثيرة.

وبحسب العبدلله، فإن واشنطن لا تهتم أبداً بمصلحة الشعب السوداني، بل هناك فقط قلق أميركي واضح على نفوذها من تداعيات الأزمة السودانية على الوضع في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص أمن البحر الأحمر، حيث تخشى واشنطن أي اختراق للجيش السوداني من الصين أو روسيا أو إيران، يمنحهم نفوذاً بحرياً وعسكرياً، ما يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. أيضاً، سبب عودة الاهتمام الأمريكي هو تراجع نفوذ قوات “الدعم السريع” التي تدعمها واشنطن عبر الغرب والإمارات العربية. وهذا ما يفسر بحسب عبدلله تركيز اهتمام واشنطن بالسودان وانعقاد المؤتمر.

أما بالنسبة للإمارات، فبحسب الخبير، لا تمانع أبو ظبي تشكيل حكومة بمناطق سيطرة “الدعم السريع” المدعوم منها بشكل مباشر، بينما مصر والسعودية تدعمان الدولة السودانية، بما فيها الجيش والحكومة. يأتي لك بالتزامن مع الخسائر المتتالية التي تلقتها قوات “الدعم السريع” أمام الجيش السوداني، لذا ساهمت الإمارات وسعت لانعقاد هذا المؤتمر لإنقاذ قوات “الدعم السريع” وحمايتها من الانهيار، من خلال إعطائها وقت لتستعيد قوتها وتعيد تسليح وتوزيع قواتها بذريعة الايقاف المؤقت للأعمال العدائية.

وكانت “العفو الدولية” قد كشفت، في مايو الماضي، عن رصد أسلحة لدى قوات “الدعم السريع” مصدرها دولة الإمارات، في انتهاك فاضح لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة”. يأتي ذلك بعد إدانة العفو الدولية لتهريب السلاح من الإمارات للسودان.

وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بدعم قوات “الدعم السريع”، وهو ما تنفيه أبو ظبي، حيث رفعت الحكومة السودانية شكوى رسمية ضد الامارات في مجلس الأمن بتهمة تهريب السلاح والمرتزقة لقوات الدعم السريع عبر تشاد.

وكانت صحيفة “لاسيلا فاسيا” الكولومبية المستقلة، قد كشفت عن وجود مرتزقة كولومبين يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع” في السودان ويتقاضون رواتب هائلة من الإمارات العربية المتحدة.

وختم عبدلله بأن “العامل الحاسم لن يكون فقط في التحرك والضغط السياسي، بل في القدرة على فرض ترتيب تفاوضي جديد تضمن فيه الدول الثلاث (الإمارات السعودية ومصر) التزام طرفي الصراع.

Exit mobile version