كلام سياسة الصافي سالم
لم يمض وقت طويل على المقال السابق عن العودة الطوعية تحت عنوان (العودة إلى العاصمة: مقاومة ضد التهجير ومشروع الإحلال)،
حتى جاء يوم السبت ليحمل إلينا لحظة فارقة، تجلّت في هبوط طائرة سعادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، على مدرج الخرطوم، لتصبح هذه اللحظة نقطة تحول جديدة تؤكد أن أجواء الخرطوم ما زالت قادرة على احتضان الرحلات الآمنة والرمزية.
إن هبوط طائرة من هذا الطراز المدني، التي تصنف ضمن الطيران الخاص وشبه الحكومي، ليس بالأمر العابر في حسابات الطيران ولا في رسائل السياسة. بل هي رسالة واضحة بأن مطار الخرطوم لا يزال حيًا، قابلًا للنهوض من بين الركام، وأن الفضاء السوداني، من قلب العاصمة، يمكن أن يستعيد عافيته ويُعاد فتحه في وجه الملاحة الجوية الوطنية والدولية.
وما تحمله طائرة البرهان من رمزية، يعادل في أثره ما تحمله أي مبادرة دولية كبرى لإعادة بناء قطاع النقل الجوي. فهبوطها في هذا التوقيت، وتحت هذه الظروف، يُعد بمثابة إعلان غير مكتوب عن بداية مرحلة جديدة من التعافي والتأهيل، وعن استعداد السودان للعودة إلى الخارطة الجوية بثقة أكبر.
لقد حمل هذا الهبوط رسائل متعددة، أبرزها إلى صناع القرار، بأن الوقت قد حان لتسريع وتيرة إعادة تأهيل المطار، واستئناف العمل في المنشآت الجوية، وتكثيف جهود تأمين المجال الجوي. كما أن هذا الحدث أرسل إشارات مطمئنة لشركات الطيران، مفادها أن الخرطوم، رغم كل ما مرت به، لا تزال قادرة على أن تكون نقطة جذب واستقرار.
الرسالة الأكبر، التي لا تخفى على المراقبين، أن الدولة، ومن أعلى هرمها، باتت تنظر إلى الطيران المدني كمدخل رئيسي لإعادة الحياة إلى طبيعتها، ورافعة من روافع الاقتصاد الوطني، وعنوان لمرحلة ما بعد الصراع.
ختامًا، فإن طائرة البرهان التي هبطت بالأمس على مدرج الخرطوم، لم تكن مجرد رحلة رسمية، بل كانت شهادة حيّة على أن الإرادة أقوى من ركام الحرب، وأن البلاد تستعد رويدًا رويدًا للعودة إلى مدارج النهوض، بدءًا من حيث توقفت الطائرات.