العودة إلى العاصمة: مقاومة ضد التهجير ومشروع الإحلال “نحن هنا، وسنبقى هنا”

الحاكم نيوز :

كلام سياسة الصافي سالم

في خضم الظروف المعيشية و الأمنية يعود السودانيون إلى عاصمتهم الخرطوم، متحدين رائحة الموت، وركام الدمار، وخطر الرصاص. قد يبدو هذا التصرف ضربًا من التحدي أو حتى الجنون، لكن في عمقه يحمل فعلًا وطنيًا مقاومًا، وصوتًا صارخًا في وجه محاولات تفريغ السودان من أهله لصالح مشاريع مشبوهة لإحلال “عربان الشتات” وآخرين، في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات التطهير العرقي والتهجير القسري، الذي تبنته دول معلومة للجميع.

 

العودة إلى الخرطوم اليوم ليست مجرد حنين إلى بيت أو حي أو حياة ما قبل الحرب، بل هي فعل سياسي وشكل من أشكال المقاومة المدنية في مواجهة مشروع إحلالي خطير، يهدف إلى إعادة هندسة التركيبة السكانية والثقافية والاجتماعية للعاصمة السودانية. إنها رسالة صمود تقول: “نحن هنا، وسنبقى هنا”.

 

محاولات التهجير القسري لا تستهدف الأجساد فقط، بل الذاكرة الجماعية، والحق في الأرض، والتاريخ الذي يسكن هذه الجغرافيا. فالخطر لا يقتصر على فوهات البنادق، بل يمتد إلى مشاريع إبدالية تسعى إلى اقتلاع الإنسان السوداني من جذوره، واستبداله بوافدين يحملون أجندات لا تنتمي إلى هذه الأرض، ولا إلى معاناة شعبها.

 

من هذا المنظور، تصبح العودة إلى العاصمة، رغم الصعوبات وانعدام بعض الخدمات، ضرورة ملحة. تسعى حكومة ولاية الخرطوم بكل ما تملك لعودتها إلى وضعها الطبيعي، ومع العودة التدريجية لقوات الأمن وانتشار الشرطة، يُعطى ذلك الطمأنينة للمواطن.

 

كل ما ذكر عن الاستهداف والتشريد هو “حرب ناعمة” تقابلها “حرب خشنة”، لكنها لا تقل أهمية عنها. فالوجود في المكان هو أول شروط البقاء، وأول خطوات استعادة السيادة.

 

السودانيون العائدون، بأجسادهم المتعبة وأملهم العنيد، يعيدون تشكيل المشهد من جديد. هم يراهنون على روح الشعب التي لم تنكسر، وعلى التاريخ الذي يشهد بأن السودان لم يكن يومًا أرضًا مستباحة. ومهما تعاظمت المؤامرات، سيظل للتراب أهله، وللخرطوم نبضها السوداني الذي لا يقبل الإلغاء أو الإحلال.

 

ومن خلال متابعتي للمبادرات التي تنطلق من بعض الدول العربية الصديقة، كالمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، وعُمان (مسقط)، وأيضًا مبادرة الظاهرة الكونية الانصرافي التي وجدت القبول والدعم من الجميع، تأتي المبادرة الأخيرة بقيادة السفير كمال علي عثمان، القنصل العام للسودان في جدة، والذي شكل لجنة عليا للعودة الطوعية بالقنصلية العامة في جدة وقد باشرت أعمالها، وشُكلت لجان فرعية، ومن المتوقع أن يتم تدشين عمل هذه اللجنة رسميًا مطلع أغسطس القادم، بعد عدة اجتماعات تمهد للحدث الكبير. وأول هذه اللقاءات لقاءً مع الإعلاميين السبت المقبل ، ليكون بمثابة ضربة البداية، فهم أهل الكلمة والقلم.

 

نواصل…

Exit mobile version