
بقلم: محمد سيدأحمد سرالختم
المقال الذي كتبه الطاهر ساتي تحت عنوان “مسالك الفتن” ليس إلا عينة فجة لصحافة غير محترفة تحولت من مهمة التنوير والنقد البنّاء إلى أدوات رخيصة للتحريض الشخصي، وبث الضغينة، وتشويه الشخصيات استنادًا إلى أهواء وأجندات محدودة.
المقال خالٍ من أي تحليل موضوعي، ولا يحترم قواعد المنطق أو المهنية أو حتى الكرامة الفكرية.
لهذا، سأحاول أن أرد عليه ردًّا علميًّا موثقًا بقدر ما فيه من سخافة وتأليب وانحطاط.
أولاً: الخلط المبتذل بين العمل الرياضي والعمل السياسي
من المضحك أن يسعى الطاهر ساتي لقياس شرعية شخصية سياسية أو قيادي مجتمعي بنتائج انتخابات في نادٍ رياضي، وكأن الأندية الرياضية هي مجلس الأمن أو برلمان السودان. فخسارتي في انتخابات نادي المريخ لا تعني شيئ في تقييم الكفاءة او القدرات السياسية، بل إن استخدامك لها يدل على محدودية إلمامك بحقائق وتفاصيل العمل العام عامة والرياضي خاصة، علما باني قد احرزت اعلي الأصوات في انتخابات 2022، حيث حزت علي ٩٤٨ صوتا، اما الانتخابات الاخيرة فقد كانت صنيعة حميدتي الذي كنت تعمل معه في صحيفته و كانت مملوءة بالمجاملات والشللية والمال السياسي أساسًا والصحفيين الطبالين من امثالك، ووعود صاحبك ايمن ابو جبين ربيب الهالك حميدتي وشريكه. قل لي ماذا نفذ من برنامجه الانتخابي حتي مغادرته الغير مأسوفا عليها، اما عثمان الشيخ وابو جبين فهما ليسوا أعضاء في نادي المريخ و هنالك بلاغا جنائيا بالتزوير ما زال مفتوحا في النيابة وسيتم تحريكه قريبا بعد ذهاب كفلائك الجنجويد.
ان تحويلك ملف الانتخابات إلى معيار للولاء والانتماء القومي هو تسطيح فظ للوعي الجماهيري يشبه سطحية وعيك وخواء قلمك وكتابتك الصفراء. وأنا الان مستشار مجلس إدارة المريخ و رئيس لجنة المنشآت اين انت من ذلك ايها الكاتب حسب حجم الظروف.
هل يعلم المتصوحف الطاهر ساتي بأن استخدامه لهذا الأمر قد كشف فقر وعيه من حيث لا يحتسب، حيث ان احد أهم شروط التطور الرياضي كفعل انساني هو استقلالية الأندية الرياضية والاتحادات الشبابية وأهليتها دون تجييرها سياسيا او حزبيا، وان احد الاسباب الرئيسة في تردي الرياضة السودانية هي تدخل السلطة والسياسة فيها سواء في عهد الحكم الديكتاتوري المايوي او في عهد حكم ابارتهيد الانقاذ التي رضع من ثديها الطاهر ساتي، ان انعدام وعيك وقلة معرفتك لا تحتاج كبير عناء مني كي أفند الحجة الواهية بأن هزيمتي في احدى انتخابات نادي المريخ تقطع صلتي بالمجتمع أو تؤثر على مشروعيتي السياسية.
ثانيا: العنصرية المتنكرة واللغة الاستعمارية
حين يقارن من يفترض انه كاتب مواطنًا سودانيًّا يعيش في قلب السودان بأمريكي من أصل إفريقي، فإنه لا يهاجم شخصًا فحسب، بل يمارس عنصرية صريحة ضد كل من لا يتفق مع موقفه ورؤيته.
ان جملة مثل ” علاقته بالشمال مثل صلة زنوج أمريكا بأوطانهم الافريقية “، فضلا عن انها عبارة متردية لغويًّا وأخلاقيًّا، وتلمح إلى أن صاحبها يُدار بعقلية عنصرية استعمارية لم يعد لها مكان في أي حوار حضاري فان هذا التوصيف الذي استعمله مرفوض دوليًّا حيث ان هذا النوع من الخطاب يصنف ضمن “خطاب الكراهية العرقي” ويعد خرقًا واضحًا لمواثيق الشرف الصحفي، حسب منظمة مراسلون بلا حدود فهي تعتبر خطاب الكراهية انتهاك لحرية الصحافة، وتعتبره شكلا من اشكال العنف اللفظي.
ثالثا: الاعتداء على فكرة الدفاع عن الشمال باسم الفتنة
ما طرحته حول تدريب شباب الشمال في إرتريا — سواء اتفقت معه أم اختلفت — هو موقف سياسي واضح، يستدعي نقاشًا أمنيًّا واستراتيجيًّا لا سخرية رخيصة وهزيلة.
ثم أين كانت هذه اللهجة حين كانت قيادات أخرى من مناطق أخرى تشكل قوى وميليشيات مثل مناوي تتدرب في ارتيريا بتمويل من الدولة و باموال الشعب السوداني؟ بل أين كنت حين كان النظام البائد ينشئ المليشيات ويسلحها ويغدق عليها من أموال الشعب وكان الطاهر ساتي حينها يرفل في نعيم صحافة النظام ويداهن تنظيم الاسلاميين وقيادتهم، أم أن تسمية الميليشيات تتباين بتباين النطاق والعشيرة؟!
حسب تقارير اقليمية ودولية تم تدوين وجود ما لا يقل عن 87 حركة مسلحة محلية في السودان، 84 منها في دارفور وحدها، جميعها قد تكونت خارج إطار الجيش الرسمي. فلماذا يشيطن هذا المتصوحف فقط كل طرح يأتي من قبل أبناء الشمال للدفاع عن اهلهم وعرضهم وممتلكاتهم؟!
رابعا: المفارقة الأكبر: كاتب يتهم الآخرين بصنع الفتنة
يختم الطاهر مقاله باتهامه لي بأني أهدد الأمن القومي وأحرض على الفتنة. ولكن ليسأل هذا الدعي نفسه ويجيب بكل صراحة:
من الذي يزرع الفتنة بالفعل؟
من الذي يطلق الأوصاف العنصرية؟
من الذي يؤلب ضد منطقة بأكملها؟
من الذي يسخر من مواطن سوداني ويشكك في وطنيته؟
إذا لم تكن هذه هي الفتنة بعينها، فما هي الفتنة إذن؟
خامسا: الحقائق التي حاول الكاتب طمسها
الجاكومي لم يأت من فراغ، بل ظللت في العمل العام منذ شبابي، تاريخي مشهور منذ أن كان طالبا وقدت طلاب جامعة ام درمان الاسلامية ابان انتفاضة مارس ابريل المجيدة، وكنت وما زلت من الشخصيات المعروفة في السياسة السودانية منذ سنوات طويلة معارضا لحكم الكيزان حتى سقطوا وأنا قابع داخل معتقلاتهم، وكان لي دور واسهام مع اخرون في التعبير عن مطالب التغيير وحقوق الشعب السوداني عامة وفي الشمال خاصة.
حديثي عن وجود قوات وحركات مسلحة في الشمال ليس تحريضًا، بل هو استفسار حول حقائق وواقع معاش، وموقف سياسي اتحمل مسؤوليته وهو مبرر في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد بسبب تمرد مليشيا الدعم السريع.
كيان الشمال ليس وهمًا، بل هو مكون اجتماعي سياسي فعّال له وجود حقيقي على الأرض، وله مخاطبات رسمية مع الحكومة الانتقالية والوسطاء الدوليين.
خلاصة القول:
مقال الطاهر ساتي ليس سوى محاولة رديئة ومفضوحة لإسكات الأصوات الحرة التي تمثل الشمال، في وقت غدت فيه كل مناطق السودان تحشد وتدافع عن نفسها، لا فرق بين جنوب وغرب وشرق وشمال.
ومع ذلك، فإن كثيرون من ابناء هذا الوطن — نتفق معهم ام نختلف — أكثر صدقًا وأشرف من كتاب يبيعون أقلامهم للسلطة البائدة أو لبعض الجهات التي تغذي الانقسام والتبعية.
نقطة أخيرة يا طاهر:
إن كنت تعتبر خسارة انتخابات نادي رياضي نهاية لمسار سياسي، فموضعك ليس في الصحافة، بل في مدرجات الجماهير التي تصيح دون أن تفهم ما يجري في الساحة.