أخر الأخبار

خبر وتحليل – عمار العركي – الصـراع الثلاثـي بلا أقنعــة

هل دخلت إيران وإسرائيل وأمريكا طور المواجهة المفتوحة؟
_________________________

*1. شتباك معلن وكسر لحالة “التحكم” في الصراع_*
▪️على عكس نمط الاشتباكات الغامضة والهجمات “المجهولة” التي طالما شكّلت الطابع العام للصراع الإيراني – الإسرائيلي، جاء التطور الأخير مكشوفًا ومباشرًا، وكأن أطراف اللعبة قررت خلع أقنعتها.
▪️فقد أكدت إيران رسميًا تعرّضها لهجوم دقيق داخل أراضيها، سرعان ما ردّت عليه بإطلاق موجات من الصواريخ الباليستية باتجاه أهداف إسرائيلية، في تصعيد نوعي يُعدّ الأبرز منذ سنوات، ويُنذر بتحول كبير في طبيعة الاشتباك الإقليمي.
▪️اللافت في هذا التصعيد لم يكن فقط وضوح الضربات والردود، بل ما رافقه من تصريحات صريحة غير مسبوقة من الأطراف الثلاثة، فقد ظهرت واشنطن – عبر الرئيس ترامب – بخطاب مراوغ في بدايته، يوحي بتطمينات لطهران، ثم ما لبث أن تحوّل إلى تبنٍ صريح للموقف الإسرائيلي، وتهديد مباشر لإيران بأنها ستخسر “إمبراطوريتها” ما لم توقّع اتفاقًا جديدًا.
▪️في المقابل، كان الرد الإيراني مزدوجًا: عسكريًا عبر القصف، وسياسيًا عبر مقاطعة المفاوضات، واتهام واشنطن بالتواطؤ المباشر في الهجوم والدفاع عن إسرائيل.
▪️هكذا بدا أن ما كان يُدار في السابق من خلف الكواليس، خرج إلى العلن، وبات الصراع الثلاثي بين إيران، إسرائيل، وأمريكا أقرب ما يكون إلى مواجهة استراتيجية مباشرة، بكل ما تحمله من احتمالات الانفجار أو إعادة تشكيل التوازنات.
*2. مسار الحدث: من الضربة إلى الرد إلى التهديـد العلـني*
▪️في اليوم الأول، استُهدفت منشآت ومواقع داخل العمق الإيراني، شملت أهدافًا عسكرية ومراكز اتصالات وتقنيات دفاعية.
▪️تبع ذلك تأكيد رسمي إيراني بالهجوم، ثم الرد عليه بعد ساعات عبر إطلاق صواريخ باليستية متعددة استهدفت مواقع حيوية في إسرائيل، وُصفت بأنها تحمل “رسائل إستراتيجية وليست تكتيكية فقط”.
▪️أمريكا بدورها دخلت على الخط بتصريحات أولية للرئيس ترامب بدت مهادنة ومطمئنة لإيران، لكن ما لبث أن غيّر لهجته بعد نجاح الضربة الإسرائيلية وتحقيق أهدافها العملياتية، ليعلن دعمه الكامل لتل أبيب، وتحذيره لطهران من خسارة نفوذها إن لم تُبرم اتفاقًا جديدًا.
▪️المشهد خلال اليومين اتسم بسرعة في التفاعل، ووضوح في تبادل الرسائل، وانكشاف في الأدوار، ما يعني أننا أمام تطور غير تقليدي في بنية الصراع.

*3. لعبة مصالح ثلاثية أم مواجهة صفرية؟*
▪️رغم الطابع العنيف والمتصاعد للصراع بين الأطراف الثلاثة (إيران، الولايات المتحدة، الكيان الصهيوني)، إلا أن بعض المراقبين يقرؤون ما يجري في إطار “لعبة مصالح معقّدة” تتقاطع فيها الضربات مع الرسائل السياسية، ويتداخل فيها التهديد العسكري مع حسابات التفاوض.
▪️فـالولايات المتحدة، ورغم خطابها المعلن بدعم إسرائيل، لا تزال تتحرك وفق مصالحها العليا في “ضبط إيقاع” المواجهة دون انفلات شامل، مع استثمار الخطر الإيراني في ترسيخ نفوذها الإقليمي، وضمان استمرار مبيعات الأسلحة ووجود قواعدها العسكرية.
▪️أما الكيان الصهيوني، فيسعى عبر التصعيد العسكري المدروس إلى تحقيق مكاسب أمنية وتكتيكية على الأرض، لكنه في الوقت ذاته يستثمر الصراع مع إيران في تعزيز “شرعية وجوده” إقليميًا ودوليًا، والضغط على الإدارة الأميركية لتقديم ضمانات إضافية أمنية ومالية.
▪️أما إيران، فهي الأخرى ليست بمنأى عن استخدام المواجهة كأداة لتثبيت النظام داخليًا، وإعادة صياغة علاقاتها الخارجية، وتقديم نفسها كقوة مقاومة وممانعة في وجه “العدوان الثلاثي”.
▪️من هنا، يبدو أن الصراع ليس دائمًا على قاعدة الكسر الكامل، بل هو أقرب إلى “تبادل أدوار” ضمن لعبة مصالح يجني كل طرف فيها مكاسب سياسية أو استراتيجية، حتى وإن سال الدم في ميادينها.
*4. اختراقات الموساد والحرب النفسية: دعاية أم واقع؟*
▪️في سياق موازٍ، تكثّف إسرائيل من حربها النفسية ضد إيران، عبر الترويج لاختراقات عميقة داخل أجهزة النظام، وتنفيذ عمليات نوعية ضد قادة الحرس الثوري وعلماء النووي، سواء بالتصفية أو عبر “الاغتيال المعنوي” في الإعلام.
▪️تُقدَّم هذه الرسائل كجزء من بروباغندا استراتيجية هدفها ترسيخ صورة إيران الضعيفة والمتفككة من الداخل، وتصوير الأجهزة الأمنية الإيرانية على أنها مخترقة وعاجزة عن حماية رموزها ونُظمها الدفاعية.
لكن واقع الحال أكثر تعقيدًا، فرغم صحة بعض الاختراقات، إلا أن التهويل الإسرائيلي يخدم أهدافًا تكتيكية أهمها:
ردع إيران دون خوض حرب مباشرة.
وإثارة البلبلة داخل الداخل الإيراني وزعزعة الثقة في النظام، وتضخيم القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية في نظر الحلفاء والخصوم على حد سواء.
▪️وبالتالي، فإن جزءًا كبيرًا من هذه الرواية يقع في نطاق الحرب النفسية، التي لا تقل أهمية عن الصواريخ الباليستية في ساحة هذا الاشتباك المتعدد الأوجه.
*5. السيناريوهات المحتملة: أي طريق ستسلكه الأطراف؟*
▪️انطلاقًا من هذه المعطيات، يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
*أ‌- التهدئة المتبادلة عبر الرسائل النارية*
يفضل فيه الطرفان الإيراني والإسرائيلي الاكتفاء بالرد والرد المضاد دون الانزلاق لمواجهة شاملة، مع بقاء باب التفاوض مواربًا، خاصة في ظل رغبة أمريكية – وإن كانت متناقضة – في تجنب حرب إقليمية موسعة في خضم معركة الانتخابات.
*ب‌- الانزلاق نحو التصعيد المرحلي*
ترتفع فيه وتيرة الضربات المتبادلة على مراحل، ربما عبر وكلاء أو أطراف ثالثة، مثل حزب الله أو حماس، ما يُدخل المنطقة في حالة استنزاف أمني وميداني ممتد، ويزيد من هشاشة الساحات الهشة أصلاً كسوريا ولبنان.
*ت‌- إعادة رسم قواعد الاشتباك بشكل صريح ومباشر*
وهو السيناريو الأكثر احتمالاً، حيث تُعاد صياغة “قواعد اللعبة” التي حكمت الصراع لعقود، بما يتماشى مع التحولات داخل النظام الإيراني، وجرأة إسرائيل في كسر الخطوط الحمراء، ومراوغة واشنطن عبر الضغط والتلويح بالاتفاقات مقابل تفكيك النفوذ.
في هذا السيناريو، لا حرب شاملة، لكن لا عودة للوضع السابق، بل توازن جديد تحكمه المكشوفية والندية المسلحة.

*6* *. خــلاصـــة القـــول ومنتهـــاه*
▪️ما حدث لم يكن مجرد جولة تصعيد، بل مؤشر حاسم على تغير نمط الصراع بين القوى الثلاث الكبرى المتنازعة.
▪️إيران لم تعد تتحرك بهامش المبادرة وحدها، بل باتت تواجه “تآلفًا صريحًا” بين إسرائيل وأميركا، يتجاوز المناورات الإعلامية إلى شراكة ميدانية واضحة.
▪️في المقابل، أصبحت طهران مضطرة لردود فعل أعلى سقفًا، وأقل مرونة، مع انسداد أفق التفاوض، واتهامها العلني لواشنطن بالتواطؤ.
▪️نحن أمام لحظة مفصلية؛ إما أن تقود إلى تفجير شامل، أو إلى توازن جديد لا مكان فيه للغموض، ولا مساحة فيه للمراوغة القديمة.
▪️العدو الآن معلوم، والضربات معلنة، و التصريحات مكشوفة… ولم يعد الصراع “حرب أشباح”، بل مواجهة بين كيانات، تقف على حافة الانفجار أو التفاهم القسري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6 + ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى