
*مريم الهندي*
اهلي الأكارم، ابناء شعبي الاوفياء، لطالما أبديتُ تحفظاتي تجاه مؤتمر الجزيرة، وذلك على مدار عشرة أشهر، وطرحتها للرأي العام دون أن أجد ردًا واضحاً. إلا أنني تلقيتُ بالأمس اتصالًا واضحًا من الزميل الأستاذ يوسف عمارة أبوسن، الذي كتب عن الأمر ومهد لنا حواراً جمعني بالأمين العام للمؤتمر، الأستاذ المبر محمود، فاسمحوا لي أن أوضح لكم، ما دار بيننا من حوار عقلاني اتسم بالرقي والحرص على المصلحة الوطنية، حيث تم تفنيد كل ملاحظاتي وتساؤلاتي وتحفظاتي، وتم الرد عليها بشفافية لتكون بمثابة توثيق رسمي لمؤتمر الجزيرة.
وقد انحصرت تحفظاتي في النقاط التالية:
١/ لماذا يتم حذف أي محتوى يتعلق بانتصارات القوات المسلحة في مجموعات الواتساب التابعة لمؤتمر الجزيرة، لماذايت حذف العضو المؤيد والمساند للقوات المسلحة؟ كما بلغني؟
٢/ لماذا تنطلق المنصة الإعلامية لمؤتمر أبناء الجزيرة من الإمارات والسعودية، ولماذا لا تنطلق من السودان؟ ولماذا تُرفع إحصائيات انتهاكات الدعم السريع في الجزيرة بأرقام خيالية للمنابر الدولية، وهي أرقام لم تتمكن الدولة نفسها من حصرها حتى الآن؟
٣/وهل تم رفع هذه الإحصائيات للجهات العدلية والإنسانية في الدولة؟
وعلى ماذا استندت تلك الإحصائيات المخيفة من انتهاكات واغتصابات؟
وقد سميتُها “إحداثيات” مجازًا، مما اثار هذا الامر قلقي في ظل التآمر الدولي الذي يحيط بالسودان. ورغبة قوى تقدم في جلب التدخل الدولي بذريعة حماية المدنيين. ثار هاجسي عندما وجدت أعضاء كانوا ينتسبون لقوى الحرية والتغيير ضمن قيادات مؤتمر الجزيرة.
هذا وقد جاء رد السيد الأمين العام، الأستاذ المبر، كالتالي:
اولاً: لا توجد لدينا منصات إعلامية سوى صفحة على فيسبوك وقناة على واتساب، وقد تبرع بإنشائهما أحد النازحين من شباب الجزيرة كان في طريقه من بورتسودان للسعودية عبر دبي، مثله مثل مئات الآلاف من أبناء الجزيرة النازحين،
ثانياً: ظل مؤتمر الجزيرة داعمًا للجيش عبر بياناته الرسمية وعبر إطلالات قيادته في مختلف وسائل الإعلام المحلية والخارجية، وبالتالي لا يستقيم ان تكون مجموعاته على واتساب تترصد اخبار الجيش، ومن نقلوا خلاف ذلك مغرضون ليس إلا.
ثالثاً: بالنسبة للإحصاءات، فهي إفادات من شهود عيان وضحايا، وليس بوسعنا إلا التفاعل معها كأبسط انواع التضامن الاخلاقي والحقوقي. كما كلها تُحال لمؤسسات الدولة، وقد قمنا في هذا الصدد بمخاطبة النائب العام بمذكرة رسمية حوت كافة جرائم الدعم السريع، بل كثير من مؤسسات الدولة الرسمية اتخذت من احصاءاتنا مرجعية له وخاطبتنا مستوضحة عن بعضها. اما المذكرات للهيئات والمنظمات الدولية فكثير منها رُفع بالتشاور مع مؤسسات الدولة ذات الصلة، وأعلنا عنها داخل المؤسسات الإعلامية الرسمية للحكومة. بل إن بعض بيانات وزارة الخارجية كتبت بالتنسيق معنا (بيان الخارجية عن انتهاكات الدعم السريع في الهلالية نموذجًا). هذه الإحصائيات مهمةلتثبيت الحق ولفضح محاولات التستر على جرائم مليشيا الدعم السريع في الجزيرة، كما انها ساهمت في تقوية الحجج الحكومية في المنابر الدولية.
رابعاً: مؤتمر الجزيرة مبادرة مجتمعية مفتوحة لجميع أبناء وبنات الولاية، تقوم على تنحية الحزبية والأيديولوجيا والاصطفاف خلف الدولة لدحر العدوان ونصرة الضحايا. وبالتالي، لا نسأل الناس عن تاريخهم السياسي أو مواقفهم ما قبل الحرب. هناك ملايين السودانيين من مختلف التيارات يقاتلون الآن مع الجيش كتفًا بكتف انحيازًا للوطن فقط. وسيظل مؤتمر الجزيرة منحازًا للوطن، ومدافعًا عن سيادته، وسندًا للجيش، وصوتا للضحايا، ولا نريد من ذلك جزاءً ولا شكورًا، فهذا واجب اللحظة التاريخية.
أكدتُ للمرة الثانية للأستاذ المبر، الأمين العام، أنه لا يوجد خلاف لا مع مؤتمر الجزيرة كفكرة ولا مع قياداته كأشخاص، ولكنها كانت تلك الملاحظات التي طرحتها للرأي العام وتخوفتُ من عدم إيضاحها للرأي العام، وهذا من منطلق وطني وتوثيقي. خصوصًا أنني ظللتُ أطرح تلك الأسئلة طيلة تلك الفترة، وكان الرد الصريح من السيد الأمين العام للمؤتمر بصورة قاطعة ومسؤولة. في ذات السياق، وإعلاءً للمصلحة الوطنية العليا في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، اتفقنا على ضرورة التركيز على الحد الأدنى من الثوابت المتفق عليها، وهو إدانة الميليشيا ودعم القوات المسلحة، ورعاية مصلحة أهل الجزيرة.
وفي الختام، اقترحت على الأمين العام الأستاذ المبر على أهمية تطوير المؤتمر، وأكدت له إيماني القاطع بالحوار وقيمته في ترقية المجتمع ونهضته وحل الخلافات وتقويم التجارب، والدور الوطني الذي يجب أن يلعبه مؤتمر الجزيرة كظهير مدني حقيقي مساند للقوات المسلحة في معركة الكرامة، ليكون جديرًا بالتقدير المرجو. شددنا على أن الوقت ليس للخلافات الصغيرة التي يجب تجاوزها لأجل المصلحة الوطنية، واعتماد مبدأ الشفافية وتوسيع المشاركة وقبول الرأي والرأي الآخر، وضرورة توحيد الصف الوطني وتفويت الفرصة على المتربصين الذين يهدفون لإضعاف الصف الوطني وصف أهل الجزيرة.
تلخصت مجمل مقترحاتي في الاتي:
ضرورة تأسيس المؤتمر بشكل يرضي جميع أهل الجزيرة ويمثلهم دون إقصاء أو تهميش لأحد، مع تقدير كامل للظرف العصيب الذي نشأ فيه المؤتمر كظرف حرب ونزوح. لذلك تم التوافق بيني والسيد الأمين العام لمؤتمر الجزيرة الأستاذ المبر على ضرورة إدارة حوار شفاف بناء لإعادة تأسيس المؤتمر وتوسيع دائرة المشاركة فيه بما يحقق التوازن ويحقق الأهداف التي تأسس من أجلها. وذلك اعتمادًا على عدة عناصر مهمة لإصلاح المؤتمر وتفعيل دوره: الرجوع لمحطة الإصلاح ومعالجة جذور الأزمة في ولاية الجزيرة، وذلك عبر صياغة رؤية حقيقية من خلال آلية ديمقراطية شاملة تعالج الاختلالات في ولاية الجزيرة، وتؤطر لحوار سوداني لا يقصي أو يستثني. الرجوع للحل الديمقراطي ولم شمل أهل الجزيرة، عبر دعوة بقية الأجسام والكتل المعبرة عن قضايا أهل الجزيرة والملبية لاحتياجاتهم المختلفة، والتي لها دورها واجتهاداتها المعلومة، دون تصنيف أو رفض أو مزايدة على أحد. يتم ذلك عبر تكوين لجنة تسييرية مشتركة لقيام مؤتمر تأسيسي حقيقي معبر عن أهل الجزيرة يجمع ولا يستثني، يصلح ولا يقصي، يعزز ولا يفكك أو يشتت، بحيث تكون الحاكمية والقول الفصل للديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام حقوق وخيارات وإرادة الناس. (توسيع المواعين الوطنية). فكرة الإصلاح من الداخل دومًا هي الحل الأفضل للتغيير الديمقراطي المنشود، وتعتبر أولى خطوات رتق النسيج المجتمعي ومحاربة خطاب الكراهية والإقصاء الذي أورد البلاد موارد الهلاك. ابتدار مبادرة الحوار الشعبي الشامل والذي يبدأ بالإجماع والتراضي الوطني حول المرتكزات والثوابت الوطنية المعلومة بالضرورة، والتي أولى خطواتها تأييد ونصرة القوات المسلحة في حرب الكرامة السودانية، وسيادة الدولة، وسيادة حكم القانون، والدعوة للمحافظة على الحقوق العامة والخاصة، إلخ. على اللجنة التسييرية الشاملة عقد المؤتمر التأسيسي لمؤتمر أبناء الجزيرة وصياغة تلك المرتكزات الوطنية بصورة واضحة لا لبس فيها، يؤسس عليها مؤتمر حقيقي لأبناء الجزيرة.
وبهذه الكيفية يمكننا أن نسمي هذه الفكرة فكرة إصلاحية يمكن إسقاطها على بقية الولايات لتكون لبنة تأسيسية لحوار سوداني شعبي شامل، ومنها يمكن تأسيس حاضنات ديمقراطية لمعالجة مشاكل فئات المجتمع المدني بمختلف مسمياته (قانونية، منظمات مجتمع مدني، فئوية، مرأة، شباب، طلاب، حاضنات دينية، أهلية، عسكرية، أمنية، إلخ) وتلبي أشواق الشعب السوداني وتداوي جراحه.
*والله ولي التوفيق.*
*مريم الهندي*
12/6/2025