مساعد وزير الخارجية المصري السابق لشئون السودان :  وحدة السودان خط أحمر لمصر

السفير حسام عيسى

أجرى الحوار – أحمد إمبابي

لـ«روزاليوسف»

تدخل الحرب السودانية، عامها الثالث، وبينما نزيف دماء الأشقاء فى السودان مازال مستمرًا، مع استمرار المواجهات الميدانية، بين الجيش الوطني السوداني، وعناصر ميليشيا الدعم السريع، خصوصًا فى منطقة دارفور بالغرب.

ورغم أن الجيش السوداني، حقق تقدمًا ميدانيًا الفترة الأخيرة، استعاد به ولايات مهمة، ومواقع حيوية، أهمها ولاية الجزيرة، والعاصمة الخرطوم، إلا أن الصراع يتجه إلى مرحلة جديدة، فى مواجهة ربما تكون حاسمة، فى إقليم دارفور.

عامان على الحرب، وفاتورة الصراع يتضاعف على الشعب السوداني، والدولة السودانية، حيث قدرت تقارير أممية وإعلامية خسائر الحرب الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار أمريكي، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار لنحو 60 فى المائة من البنية التحتية للدولة، وتشريد نحو ثلث السكان بين نازح ولاجئ، فى أزمة إنسانية وصفها الاتحاد الأوروبى بأنها الأسوأ فى القرن الواحد والعشرين.

ويقدر عدد ضحايا الحرب حتى الآن، بنحو 60 ألفًا، وإصابة وإعاقة مئات الآلاف، وتشريد نحو ثلث سكان البلاد، كما دمرت الحرب أيضًا البنى الاقتصادية والتحتية للدولة، وأصبح نحو نصف السكان تحت خط الفقر، بينما يهدد الجوع نحو 20 مليون شخص، وفقاً للأمم المتحدة، ونزوح ولجوء نحو 14 مليون مواطن داخلياً إلى دول الجوار.. ولتقدير الموقف الحالى لمشهد الأزمة السودانية، يأتى الحوار مع السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون السودان، وسفير مصر السابق فى السودان.

أكد السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية لشؤون السودان السابق، وسفير مصر السابق فى السودان، على أن “مصر هى الحليف الأول للسودان، والداعم لاستقرار وبقاء وأمن مؤسساته الوطنية”، وقال: إن “وحدة السودان خط أحمر للدولة المصرية، ومن مصلحتها الأساسية وقف الحرب وعودة الاستقرار الداخلي.

وأضاف عيسى فى حوار خاص لـ«روزاليوسف»، أن “انتصارات الجيش السوداني، الأخيرة، تقرب السودانيين للحل السياسي”، مشيرا إلى ضرورة “تجنيب النخب السياسية، مصالحها الضيقة، وتغليب المصلحة الوطنية، حتى لا يمتد النزاع والانقسامات الداخلية، وقال إنه “لايوجد مستقبل سياسى ولا عسكرى للدعم السريع فى السودان، بعد جرائمها ضد الشعب السوداني”. وإلى نص الحوار..

■ بداية ما تقديرك للموقف ولمشهد الحرب الحالية فى السودان بعد مرور عامين على اندلاع تلك الحرب؟

– المشهد حاليًا فى السودان، فى منتهى الأهمية، نمر بمرحلة دقيقة جدا بالنسبة للسودان، وحاليا الفترة الأخيرة ومن ديسمبر الماضي، شهدت مجموعة من الانتصارات للقوات المسلحة السودانية، استعادت بها ولايات مهمة جدًا، على رأسها ولاية الجزيرة والخرطوم، ومؤسسات الدولة بالخرطوم، ومن قبل ذلك منطقة جبل موية المهمة.

هذه التطورات المهمة، تأتى بالتزامن مع استمرار صمود القوات المسلحة السودانية، والقوات المتحالفة معها فى مدينة الفاشر فى دارفور، وهذه التطورات المهمة التي قلبت ميزان الحرب فى السودان، جعلت القوات المسلحة السودانية، المسيطرة على الجزء الأكبر فى السودان، والمؤسسات الحيوية، وفى المقابل، تراجع وجود ميليشيات الدعم السريع إلى المناطق الأقل أهمية فى الغرب وفى جنوب كردفان.

وحالياً القوات المسلحة السودانية، تسيطر حاليا على منطقة الشرق والشمال والوسط النيلى بالكامل، ومعظم مناطق الجنوب، كما أن الروح المعنوية للقوات المسلحة أصبحت مرتفعة.

أغلب النازحين، يأتون من المناطق التي يسيطر عليها التمرد، ويتجهون إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وهذا بمثابة تصويت على الثقة الشعبية فى الجيش السوداني، ولا يمكن التشكيك فى مصداقيته، وهذا التأييد الشعبى للجيش السوداني، كان أحد الأسباب الأساسية للانتصارات التي حدثت مؤخرًا.

■ ماذا يعنى هذا الانتصار فى معادلة الحرب؟

– يعنى أن الجيش أصبح له المبادرة والمبادءة والطرف الآخر هو الذي أصبح محاصرا، ولا يوجد نوع من التواصل مع قواته فى العديد من الأماكن.

ويعنى أن هناك وحدة شعبية، خلف مؤسسات الدولة السودانية، ويعنى أن هناك أملًا فى انتصار السودان ومؤسساته والخروج من هذه الأزمة بصورة منتصرة وإيجابية.

■ بماذا تفسر التحول الأخير، فى الحرب والذي بدأ هذا العام، بانتصارات الجيش؟

– هذه التطورات هو ما كان متوقعا من بداية الحرب، وما حدث فى الفترة الأولى من الحرب وهو ما كان استثناء، لأن مع بداية الحرب كانت الدعم السريع تسيطر على بعض الأماكن فى فترة ما بعد الحرب، وفقا للترتيبات الأمنية والسياسية فى هذه الفترة، لكن ما حدث هو تطور فى تحركات وأدوات الجيش السوداني، وتأهيل كتائب للمشاة استطاعت أن تتغلب على هذا النقص، وأصبح هناك تفوق جوى وعلى الأرض بالنسبة للقوات المسلحة، بجانب التأييد الشعبى للجيش.

ومع تفوق سلاح الجو لدى الجيش السوداني، وتطور تسليحه، استطاع أن يحقق التفوق الميداني، وأن يستعيد ولايات الوسط النيلى المهمة خصوصًا ولايتى الجزيرة والخرطوم.

■ هل تشير انتصارات الجيش السوداني، إلي أن فرص الحل السياسي، ليست مطروحة، وأن خيار الحسم العسكرى هو الأقرب؟

– هذه الانتصارات تقربنا من الحل السياسى فى السودان، لأن القوات المسلحة هى الطرف المقبول شعبيًا ودوليًا، وبالتالى عندما تكون لها الغلبة ميدانيًا، ستعبر الحلول السياسية عن انتصاراته، ومن منطلق أن الحل السياسى يعكس موازين القوى، وبالتالى يمكن أن يكون هناك حل سياسي، يعكس مطالب الشعب السوداني، وأهمها وحدة القوات المسلحة السودانية، تحت قيادة وطنية، والتخلص من وجود السلاح، فى أيدى حركات أخرى.

والتجربة فى المنطقة علمتنا أن عدم الاستقرار وعدم الأمن، مرتبط بتعدد الجهات التي تسيطر على السلاح، ووجود أكثر من حركة لحمل السلاح.

■ هل الحل السياسي، هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، وهل تراه قريبًا؟

– الحل السياسى فى السودان، ملامحه واضحة للجميع، وفرصه تتوقف على مواقف النخبة السياسية السودانية، وما نراه من انقسامات داخل النخبة، والمكونات السياسية السودانية.

يجب أن يعلم الجميع، أنه فى الوقت الذي تتعرض فيه سفينة الوطن، للمشاكل وغرقت سفينة الوطن، لن ينجو أحد، ويمكن أن تؤجل الخلافات السياسية ما بعد المرحلة الانتقالية وحين يكون هناك انتخابات يتقدم كل طرف ببرنامج الانتخابي، ويختار الشعب ما يريده، وهو ما حدث فى الفترة الانتقالية من قبل فى السودان، عام 1985 وعام 1964.

لا يجب أن تتغلب المصالح السياسية والجهوية والقبلية الضيقة على المصلحة الوطنية السودانية.

■ هل المناخ السياسى مؤهل لهذا التوافق؟

– المناخ على المستوى الشعبي، مؤهل تمامًا، بعد معاناة ملايين السودانيين بسبب الحرب، فالشعب السودانى يريد مستقبلا أفضل مما يراه الآن، يريدون الأمن والمستقبل لأولادهم، وأن يتمتع السودان بما يتفق مع موارده وقدراته الضخمة، وهذه مسؤوليات النخبة السودانية، ولابد من تجاوز تلك المرحلة.

الهدف من المرحلة الانتقالية، وضع دستور يتفق مع طموحات الشعب السوداني، ومع رؤيته لمجتمع مفتوح، ويؤدى فى النهاية لفرص متكافئة لكل السودانيين، ويؤدى إلى أن الأكفأ هو من يصل للمنصب، وأن تكون الانتخابات معبرة عن الشعب السوداني، وأن من يفوز فى الانتخابات هو معبر عن الشعب السودانى.

وهذا ما تسعى إليه القوات المسلحة السودانية، وكنت شاهدا على ذلك، وقت أن كنت سفيرا لمصر فى الخرطوم، حيث كانت القوات المسلحة السودانية تسعي لفترة انتقالية قصيرة، يتم بعدها تسليم السلطة إلى من ينتخبه السودانيون، لكن الخلافات بين الأطراف السودانية هى من أدت لإطالة الفترة الانتقالية إلى نحو سبع سنوات حتى الآن، ثم اندلاع الحرب، نتيجة لعدم القدرة على توحيد الصفوف، ولم تتخذ خطوة واحدة فى مسار التمهيد للانتخابات ووضع قانون الانتخابات أو وضع دستور، رغم أن ذلك هدف أساسى لأى فترة انتقالية.

وأتمنى أن تكون النخب السودانية قد استوعبت الدرس الخاص بالحرب، وتجنب ما حدث للشعب السوداني، وأتمنى أن يكون الجميع قد وعى الدرس جيدا، وأن نستجيب لصوت الشعب السوداني، فى الحفاظ على الدولة السودانية، والمضى فى تحقيق أهداف الثورة السودانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، وخصوصا الجيش السوداني.

■ كيف تابعت دعوات تشكيل حكومة موازية من قوى سياسية، مؤيدة لميليشيا الدعم السريع، من نيروبى فى كينيا؟ وإلى أى مدى تشكل خطورة على وحدة السودان؟

– أرى أن أكثر الأطراف المهددة من دعوات الحكومة الموازية، هم الأطراف المشاركون فيها، لأنها ستفقد مصداقيتها داخليا وإقليميا ودوليا، ولا يوجد أى مبرر لأى طرف يريد السودان القوى والموحد أن يوافق على الحكومة الموازية، وهى خطوة لا تتفق مع المصلحة الوطنية فى السودان، ولا يمكن تبريرها سوى بمصالح شخصية من المشاركين فيها، تستهدف البقاء فى السلطة، ومناصب فى الحكومة الجديدة، والسيطرة على بعض المناطق فى السودان.

ولن تحظى تلك الحكومة بأى اعتراف دولى أو إقليمى أو داخلي، وسيفقد المشاركون فيها المصداقية تمامًا.

■ كيف ترى مستقبل الدعم السريع، فى ضوء انتصارات الجيش السوداني، والرفض الدولى لمقترح تشكيل حكومة موازية؟

– لابد أن يكون هناك وحدة للسلاح، تحت قيادة القوات المسلحة السودانية، والميليشيات والحركات المسلحة، مثل الدعم السريع وغيرها، هى شىء من الماضي، ولا يوجد مبرر على وجود السلاح خارج أيدى الحكومة.

نحن نرى ما يحدث فى كافة الدول التي يتواجد بها ميليشيا وتأثير ذلك على الاستقرار والأمن، لأنها تعبر عن مصالح ضيقة جهوية أو شخصية لقياداتها.

لا أتوقع أن يكون هناك مستقبل لهذه الميليشيا، فى الفترة القادمة، سواء سياسيا أو دوليا أو على كل المستويات، بعد ما حدث من ممارسات ضد المواطن السوداني، وحجم التدمير فى السودان والمؤسسات السودانية.

■ تطاول قائد الدعم السريع، ضد الدولة المصرية، بماذا تفسر صدور مثل هذه المزاعم؟

– مصر تدعم الدولة السودانية، سياسيا وإعلاميا وإنسانيا، وتنمويا، والمبدأ المصري، ثابت، وهو ألا يستخدم السلاح المصري أو القوات المسلحة المصرية، فى صراع داخلى بالسودان، أو أن تتدخل فى شأن داخلى بالسودان، بل على العكس سعت مصر منذ أول يوم، لمحاولة إيقاف هذا النزاع، فكيف تحاول دعم أحد طرفيه، وكل سياسيات مصر هدفها وقف هذا النزاع والحفاظ على المؤسسات الوطنية بالسودان، والخروج من هذا النفق المظلم، خصوصا أن مصر عانت سياسيا واقتصاديا وأمنيا من استمرار هذا النزاع.

■ ما الفاتورة التي تحملتها مصر من استمرار هذا النزاع؟

– مصر واصلت فتح أبوابها أمام السودانيين، حيث استقبلت نحو 2 مليون سوداني، منذ بداية الحرب، فى فترة تواجه فيها ظروفا اقتصادية صعبة، بالإضافة إلى تأثيرات أمنية على الحدود الجنوبية المصرية، وهذا موقف طبيعي، لأن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري.

استقرار السودان وإنهاء الحرب، ليس مصلحة سودانية فقط، وإنما مصلحة مصرية أيضا، وما يحدث فى السودان، باعتباره الجار الأقرب، ومن منطلق الروابط الشعبية، والعلاقات التاريخية، تسعى مصر لتجنب مخاطر الصراع فى السودان، وأيضا هناك نوع من الروابط التي توجد بين الدولتين.

ومصر كانت منخرطة فى مشروعات تنموية عديدة فى السودان، قبل الحرب، منها مشروع إعادة تطوير ميناء وادى حلفا، لكن هناك كثير من المشروعات التنموية توقفت بسبب الحرب، واعتداءات ميليشيا الدعم السريع، إلى جانب مشروعات أخرى توقفت، مثل مشروع الربط الكهربائى ومشروع الربط السككي، ومشروع إقامة مدينة صناعية مصرية، كلها توقفت نتيجة للحرب.

وهناك فرص ضخمة يتيحها الاستقرار فى السودان مع مصر، لذلك تسعى مصر للتهدئة ووقف هذا النزاع.

■ كيف يمكن أن تصف الموقف المصري الثابت من الحرب فى السودان، على مدار عامين؟

– موقف مصر قائم على الحرص على المصلحة الوطنية السودانية، وعلى أهداف التنمية والاستقرار السوداني، باعتبارها جزءا لا يتجزأ على الشعب السوداني، لأن الجار الأقرب هو الأهم، وكل التجارب علمتنا أنه “لا أستطيع أن أكون آمنا وجارى خائف”.

الموقف المصري الأكثر شفافية والأوضح، والحليف الأول لمؤسسات السودانية، ولبقاء السودان موحد ومستقر ولطموحات الشعب السوداني، والموقف المصري أثبت أن كلا من مصر والسودان، هى العمق الاستراتيجى للآخر.

■ كيف تصف التقارب الحكومى والسياسى بين مصر والسودان فى الفترة الأخيرة؟

– العلاقة المصرية السودانية، تقوم على التفاهم الكامل، نتيجة للاتحاد الواضح فى الأهداف، وبالتالى عندما تكون الأهداف مشتركة، تكون السياسات واحدة بين البلدين.

مصر دائما خط أحمر بالنسبة لها، أى خطر يهدد السودان ووحدته واستقراره، وتدعم استمراره كدولة آمنة.

ونستطيع أن نقول إن الشعبين المصري والسوداني، شعب واحد فى دولتين، بحكم وجود كل أشكال الصلات بين الشعبين، والجميع يعلم أن مصر هى الحليف الأول للسودان ومؤسساته، والقوات المسلحة السودانية، من أجل الحفاظ على وحدة السودان واستقراره.

■ كيف ترى المواقف الدولية والإقليمية وتأثير تدخلاتها على استقرار السودان ووحدته؟

– أرى أن أى محاولة للتأثير من أجل مصالح ضيقة، لأى أطراف على السودان، هى بالنسبة لمصر خط أحمر، والمسؤولية هنا، سودانية أولا وأخيرا.

ويجب على السودانيين، التوحد فى هذه الفترة، ووضع مصلحة السودان نصب أعينهم، وعدم السماح لأى تدخل خارجي، بأن يؤثر على مصلحة السودان واستقراره.

■ هل السودان يتعرض لمؤامرة دولية؟

– أرى أن هناك سياسيات لبعض الدول، لا تتفق مع المصلحة الوطنية السودانية، وهنا مهمة السودانيين، التوحد للوقوف فى وجه هذه السياسيات، وهذه مسؤولية سودانية بالأساس.

Exit mobile version