*واقعنا*
في هذا المقال، أود أن أتناول قضية حساسة ومهمة للجميع، خاصة أولئك الذين يرفعون شعار مدنية الحكم ويدعون لإبعاد الجيش عن السلطة، من رفاقنا في الأحزاب السياسية السودانية. كثيرًا ما تُطرح هذه الشعارات بدرجات مختلفة، وأحيانًا دون تمعّن كافٍ في معناها أو توقيت تطبيقها.
أنا أمل أن يحاول القارئ أخذ وجهة نظري في هذا المقال بعين النظر و الإعتبار بحكم أنني لا أكتب من موقع قيادية حزبية، و لا أمثل الجيش ولا أنافقه، بل أنطلق من واقع السودان الحاضر، ومن إيمان عميق بأهمية التفكير والتأمل في مستقبلنا
أولًا: لا يمكن أن نحقق المجتمع المدني الذي ننشده في ظل واقعنا المعقد اليوم، إلا من خلال دولة قوية ومتماسكة بكل مؤسساتها وحدودها وتنوعها. والجيش – رغم كل شيء – هو المؤسسة الأكثر تماسكًا اليوم، ليس في نظر الشعب السوداني فقط، بل أيضًا في نظر الإقليم والعالم.
ثانيًا: رغم التحديات التي واجهها الجيش خلال السنوات الماضية، من محاولات اختراق حزبي مباشر وغير مباشر، وظهور جيوش موازية أضعفت قدراته في التسليح والتدريب والتجنيد، إلا أنه ظل صامدًا. فالجيوش في أصلها تُبنى على قيم وطنية، وتتدرب وفق قوانينها الخاصة، وتتشرب من الإرث التاريخي والتقليدي الذي يُبعدها عن الانحياز، مهما كانت الخلفيات السياسية لأفرادها. وهذا هو سر صمود الجيش السوداني.
ثالثًا: إصلاح الجيش وتطويره يجب أن يكون مشروعًا وطنيًا دائمًا. لا بهدف هدمه، بل بقناعة ذاتية وبمنهجية علمية وطنية، وبإشراف خبراء حقيقيين.
رابعًا: واقع ما بعد الحرب في السودان يفرض علينا فهمًا مختلفًا للحلول. فالبلد كان يمكن أن يتفكك تمامًا، لولا تماسك الجيش رغم كل ما مر به.
خامسًا: عندما تنتهي الحرب وتُدرَس آثارها الكارثية، لا بد أن نفهم أن المدنية ليست مجرد شعارات عاطفية أو قفز على المراحل. بل هي عملية تراكمية، والجيش له دور أساسي في تحقيقها. هذا لا يعني إلغاء مشروع إصلاحه وتوحيده، بل يعني أن نُسير الإصلاح جنبًا إلى جنب مع أدائه لدوره في حماية الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، وصولًا إلى حكم مدني ديمقراطي.
هذا الدور هو ما يمكن أن يحمي الجيش من محاولات الاستهداف والتفكيك، داخليًا وخارجيًا، ويُعزز وحدة الوطن شعبًا وأرضًا. وعلى الأحزاب السياسية أن تبدأ بإصلاح نفسها من الداخل، وأن تتفهم الواقع بعمق، وتتريث في تحقيق أجنداتها، لأن الوطن أكبر من الجميع.