القيود القضائية في قضية السودان ضد الإمارات
تمثل قضية السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهمها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، مشهداً قانونياً معقداً يتطلب النظر في تحديات استراتيجية وقانونية للطرفين. في قلب هذه القضية، تبرز تحفظات الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها، ما يشكل عقبة قانونية جوهرية قد تؤثر بعمق على سير القضية ونتائجها المحتملة.
تشكل اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تُعد كل من السودان والإمارات طرفين فيها، الإطار الدولي لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. لكن التحفظ الذي أبدته الإمارات على المادة التاسعة، التي تمنح محكمة العدل الدولية ولاية النظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق الاتفاقية، يعقد إمكانية المحكمة في تناول مزاعم السودان بشكل كامل. وقد يُفسر هذا التحفظ كمحاولة لتقييد سلطة المحكمة في النظر في مثل هذه القضايا، مما يسمح للإمارات بالادعاء بعدم اختصاص المحكمة في النظر في أفعالها أو تقاعسها في سياق الادعاءات المطروحة.
من الناحية الاستراتيجية، يواجه السودان تحدياً في إثبات ادعاءاته ضد دولة ذات حلفاء إقليميين ودوليين. ويتطلب الادعاء تقديم أدلة قوية على تورط الإمارات في التواطؤ في الإبادة الجماعية، بما يشمل وثائق تدل على دعم أو تأييد لأعمال ترتقي إلى جريمة الإبادة بموجب القانون الدولي، إلى جانب استحضار الأبعاد السياسية التي قد تؤثر على تقييم المحكمة.
علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل التداعيات الدبلوماسية لهذه القضية. فقد تؤدي الاتهامات إلى توتر العلاقات بين السودان والإمارات، وربما تمتد إلى العلاقات ضمن المجتمع العربي الأوسع وبين أصحاب المصلحة الدوليين. وقد يسعى السودان إلى كسب دعم دولي لقضيته، مما قد يخلق ضغطاً إضافياً على الإمارات ويعزز الأعراف الدولية الرافضة للإبادة.
من المرجح أن تركز مداولات المحكمة على حجج قانونية دقيقة وتفسير اتفاقية الإبادة، إلى جانب ديناميكيات جيوسياسية معقدة. وستمثل نتائج هذه القضية سابقة قانونية مهمة في تحديد مسؤوليات الدول وإخضاعها للمساءلة في سياق جرائم الإبادة.
دور المادة التاسعة في القضية
توفر المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة آلية حاسمة للتقاضي، إذ تمنح محكمة العدل الدولية اختصاص الفصل في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تنفيذ الاتفاقية، بما في ذلك مسؤولية الدول عن الإبادة. إلا أن تحفظ الدول على هذه المادة يتيح لها الانسحاب من اختصاص المحكمة، ما يعفيها من المساءلة في بعض الحالات.
وقد أبدت الإمارات هذا التحفظ عند انضمامها إلى الاتفاقية عام 2005، فرفضت صراحة ما يُعرف بـ “بند التسوية القضائية”، مما يمنع المحكمة من النظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق الاتفاقية عليها. وهذا التحفظ يضعف قدرة السودان على المضي قدماً في دعواه.
استراتيجية السودان القانونية والتحديات
يرى السودان أن تحفظ الإمارات يتعارض مع الهدف والغرض من الاتفاقية، وأنه يخالف المادة 19 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي تحظر التحفظات التي تتعارض مع الهدف الأساسي من المعاهدة، خصوصاً في ظل الطبيعة الإنسانية للاتفاقية.
إلا أن السوابق القانونية لا تقف في صالح السودان. فقد سبق أن أيدت المحكمة صحة التحفظات على المادة التاسعة، كما في قضية “الأنشطة المسلحة في أراضي الكونغو” عام 2006، عندما رفضت المحكمة الطعن في تحفظ رواندا على المادة نفسها. وقد تعاملت المحكمة مع هذه التحفظات كإجراءات إجرائية لا تمس بجوهر الالتزامات.
رغم ذلك، يحاول السودان لفت الأنظار الدولية إلى دعم الإمارات المزعوم لقوات الدعم السريع في هجماتها ضد قبيلة المساليت، ويزعم أنها قدمت دعماً مالياً وعسكرياً ولوجستياً واسعاً. لكن حتى مع وجود أدلة، قد لا تتمكن المحكمة من النظر فيها بسبب حاجز الاختصاص القضائي.
استراتيجية الإمارات القانونية والدفاع
يتوقع أن تعتمد الإمارات على تحفظها على المادة التاسعة لتفنيد اختصاص المحكمة. فالمحكمة تحترم مبدأ موافقة الدولة كأساس للاختصاص، ما يجعل التحفظ كافياً لإسقاط الدعوى.
وقد تجادل الإمارات أيضاً بأن السودان لم يعترض رسمياً على التحفظ عند إيداعه عام 2005، ما يمكن تفسيره كقبول ضمني وفقاً لمبدأ “الإذعان”. وتُصر الإمارات على أنها لم تدعم قوات الدعم السريع، وتعتبر الدعوى السودانية محاولة لتشتيت الانتباه عن جرائم الحرب التي ارتكبها السودان نفسه.
الآثار الأوسع والنتائج المحتملة
أهداف السودان: رغم أن احتمال تجاوز عقبة الاختصاص يبدو ضعيفاً، إلا أن السودان قد يحقق مكاسب سياسية وأخلاقية من خلال تسليط الضوء على تواطؤ الإمارات المزعوم. وتسعى الخرطوم لترسيخ مبدأ تحميل الجهات الخارجية المسؤولية عن دعم الإبادة الجماعية، مما قد يعزز الخطاب الدولي بشأن منع العنف.
موقف الإمارات: تسعى الإمارات من خلال التحفظ إلى منع النظر الموضوعي في مزاعم تورطها. ومن المرجح أن تحقق حماية قانونية وسياسية إذا ما تم رفض القضية بسبب غياب الاختصاص.
سوابق المحكمة: من المتوقع أن تؤكد المحكمة من جديد مبدأ موافقة الدولة كشرط للاختصاص، وهو ما قد يقوض الجهود الدولية لاستخدام المحكمة كوسيلة لإنفاذ اتفاقية الإبادة.
استراتيجيات السودان لتجاوز عقبة التحفظ على المادة التاسعة
الطعن في التوافق مع أهداف الاتفاقية:
استناداً إلى اتفاقية فيينا، يمكن للسودان أن يجادل بأن تحفظ الإمارات يقوض الهدف الإنساني لاتفاقية الإبادة. ويستشهد برأي المحكمة الاستشاري عام 1951، الذي شدد على أن الاتفاقية تهدف لحماية الوجود الجماعي للشعوب، وليس للمصالح الذاتية للدول.
الاستناد إلى سوابق قضائية:
قد يطعن السودان في صحة التحفظ من خلال العودة إلى الانتقادات الموجهة لحكم المحكمة في قضية رواندا، مشيراً إلى أن المادة التاسعة أساسية لتفعيل الاتفاقية. ويمكن للسودان الاستفادة من الاتجاهات القانونية الحديثة التي تعارض التحفظات التي تعيق المساءلة.
اعتبار التحفظ انتهاكاً لقواعد آمرة (Jus Cogens):
الإبادة جريمة محظورة بموجب قواعد آمرة، لا يجوز مخالفتها. ومن هذا المنطلق، فإن أي تحفظ يمنع ملاحقة الجناة يقوض القانون الدولي العرفي.
الضغط الدبلوماسي وتعبئة الدعم الدولي:
يمكن للسودان استقطاب دول أخرى لتأييد موقفه والطعن في تحفظ الإمارات، مستفيداً من آليات مثل المادة 62 و63 من النظام الأساسي للمحكمة التي تتيح تدخل أطراف ثالثة.
الرد على مبدأ “الإذعان”:
إن فشل السودان في الاعتراض الفوري لا يعني قبولاً ضمنياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بانتهاكات لقواعد آمرة.
توظيف الأدلة الواقعية:
حتى مع غياب الاختصاص، يمكن للسودان استخدام الأدلة ضد الإمارات كأداة ضغط سياسي وقانوني، مما يضعف موقف الإمارات أمام الرأي العام.
الخلاصة
رغم أن تحفظ الإمارات على المادة التاسعة يمثل عقبة كبيرة، إلا أن أمام السودان استراتيجيات قانونية ودبلوماسية قد تُستخدم لتحدي هذا التحفظ. وإن لم تنجح في كسب القضية، فإنها قد تسهم في تطوير الأعراف الدولية بشأن المسؤولية ومنع الإبادة. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً بقدرة السودان على حشد الدعم وتقديم حجج قوية تدفع المحكمة لإعادة تقييم موقفها من التحفظات ذات الطابع السياسي.
–
برهاني تكلو-نقا
كلية الحقوق بجامعة هارفارد، جامعة بوسطن، وجامعة تافتس/كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية.