أخر الأخبار

حرب جمركية بين الصين وامريكا

الخرطوم : الحاكم نيوز – وكالات

في ساحة حرب لا تُشهر فيها الأسلحة بل ترتفع فيها نسب الرسوم الجمركية، تقف الصين والولايات المتحدة على طرفي مواجهة اقتصادية محتدمة تُهدد بإعادة رسم ملامح التجارة العالمية، فبينما يرفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب راية التصعيد الجمركي عاليًا، تتمسك بكين بموقفها المتحدي، معلنة استعدادها لـ”القتال حتى النهاية”.

تصعيد غير مسبوق
أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرارة الجولة الجديدة من المواجهة بتهديده بمضاعفة الرسوم الجمركية على معظم الواردات الصينية، الأمر الذي قد يرفع كلفتها إلى 104%، ما يُشكل تصعيدًا حادًا في النزاع التجاري المستمر منذ سنوات.

وتشمل قائمة المنتجات المستهدفة من جانب واشنطن، وفق شبكة “بي بي سي” البريطانية الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وبطاريات الليثيوم، والألعاب، وأجهزة ألعاب الفيديو، فضلًا عن مئات السلع الأخرى من البراغي إلى الغلايات.

وفيما تقترب المهلة التي حددتها الإدارة الأمريكية لفرض الرسوم، يبرز التساؤل: من سيتراجع أولًا؟ لكن بكين حسمت موقفها، فقد صرّح ألفريدو مونتوفار هيلو، المستشار البارز في مركز الصين التابع لمؤسسة “ذا كونفرنس بورد” البحثية، بأن الصين لن تتراجع من جانب واحد، معتبرًا أن التراجع سيُظهرها كطرف ضعيف، ويمنح الولايات المتحدة يدًا عليا للمطالبة بالمزيد.

الأسواق العالمية تتأرجح
شهدت الأسواق العالمية تراجعًا حادًا منذ بداية التصعيد، لا سيما الأسواق الآسيوية التي سجلت أسوأ أداء لها منذ عقود، ومع اقتراب موعد تنفيذ الإجراءات الجديدة، ارتفعت حالة عدم اليقين في أوساط المستثمرين والحكومات.

الرسوم الجديدة المزمعة، التي تتجاوز 40% في بعض الحالات، ستطال الصين بدرجة كبيرة (بنسبة تصل إلى 54%)، كما ستؤثر في فيتنام (46%) وكمبوديا (49%).

وعلى الرغم من انتعاش طفيف في الأسواق اليوم الثلاثاء، يبقى الترقب سيّد الموقف، خاصة بعد أن أعلنت الصين ردّها بفرض رسوم انتقامية بنسبة 34%، وحذّر ترامب من إمكانية الرد برسوم إضافية بنسبة 50%.

انتقام اقتصادي طويل الأمد
لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، فقد بادرت بردود مدروسة تمثلت في فرض رسوم مماثلة على بعض الواردات الأمريكية، وفرض ضوابط تصدير على المعادن النادرة، وفتح تحقيقات في مكافحة الاحتكار تستهدف شركات أمريكية عملاقة مثل “جوجل”، السماح بتراجع قيمة عملتها “اليوان”، ما يزيد من جاذبية صادراتها، وقيام الشركات الحكومية بشراء أسهم لدعم السوق المحلية.

وتعكس هذه الإجراءات استعداد الصين لتحمل أعباء اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل ما تعتبره “عدوانًا أمريكيًا” مستمرًا، وبحسب ماري لوفلي، خبيرة التجارة الصينية الأمريكية بمعهد بيترسون في واشنطن، فإن الصراع تحوّل إلى “لعبة مَن يتحمل الألم أكثر”، موضحةً أن بكين على استعداد لتحمل الخسائر لتجنّب الخضوع.

الاقتصاد الصيني تحت الضغط
تواجه الصين تحديات اقتصادية داخلية كبيرة، من بينها أزمة ممتدة في سوق العقارات، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، وتعاني الحكومات المحلية من الديون التي تُعيق قدرتها على التحرك.

ويؤكد أندرو كولير، الزميل البارز في مركز موسافار رحماني في جامعة هارفارد، أن الرسوم الجمركية تُزيد من حدة هذه الأزمات، ورغم مساعي بكين لتنويع اقتصادها عبر التصنيع المتقدم وزيادة الاستهلاك الداخلي، إلا أن الصادرات لا تزال تمثل ركيزةً أساسية لنموها الاقتصادي.

ويرى “كولير” أن الوقت اقترب لتبدأ هذه الرسوم بإحداث الألم الحقيقي في الاقتصاد الصيني، مشيرًا إلى أن الرئيس شي جين بينج يواجه مفترق طرق حاسمًا وسط تباطؤ النمو وتقلّص الموارد.

ارتدادات عالمية
التأثير الاقتصادي لا يقتصر على الصين، فالولايات المتحدة نفسها، وفق بيانات مكتب الممثل التجاري الأمريكي، استوردت من الصين ما قيمته 438 مليار دولار في 2024، مقابل صادرات بلغت 143 مليار دولار فقط، هذا يُخلّف عجزًا تجاريًا ضخمًا يبلغ 295 مليار دولار.

وتُواجه واشنطن معضلة حقيقية في إيجاد بدائل للسلع الصينية في وقت قصير، في الوقت ذاته، تترنح سلاسل التوريد العالمية، ويُعاني المستثمرون من تقلبات الأسواق، في ظل ترابط اقتصادي عميق بين البلدين يشمل استثمارات وتجارة رقمية وتدفقات بيانات.

وتحذر ديبورا إلمز، رئيسة سياسة التجارة في مؤسسة “هينريش” في سنغافورة، من أن “العالم يدخل مرحلة ضبابية جديدة”، حيث تسعى الدول للتكيّف مع أسواق مختلفة وشركاء تجاريين بديلين.

في ظل هذا التصعيد، تتعدد التكهنات حول مستقبل النزاع، ففي حين يرى البعض أن الجانبين قد يتجهان إلى مفاوضات سرية، يبقى آخرون أقل تفاؤلًا، ويقول رولاند راجا، كبير الاقتصاديين في معهد لوي، إن الصين تمتلك “ترسانة أدوات واسعة” يمكنها استخدامها، من بينها خفض قيمة عملتها أو فرض قيود على الشركات الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى