أخر الأخبار

خبر و تحليل – عمار العركي – الملحقيات الإعلامية… أزمة الضمير المهني لا الفكرة

▪️منذ إعلان الدولة عن الشروع في إنشاء ملحقيات إعلامية بالخارج، انطلقت موجة من الردود الإعلامية التي كان يُفترض أن تكون مساندة وداعمة لهذا التوجه السيادي المهم، لا سيما في ظل حرب معقدة تتقاطع فيها الجبهات العسكرية والإعلامية والدبلوماسية. لكن بدلاً من أن ترتفع أصوات التأييد لخطوة تمثل انتصارًا للمهنية، انشغلت بعض الأقلام بتفكيك القرار من زاوية “الشخصنة” و”التشكيك”، في مشهد يكشف أن الأزمة الحقيقية ليست في القرار… بل في من يُفترض أنهم حماة مضمونه وروحه.
*_القفز من حافة السؤال إلى عمق الإجابة_*
▪️الحديث عن الملحقيات الإعلامية ليس ترفًا ولا قرارًا إداريًا عابرًا، بل هو استحقاق سيادي مدروس، جاء نتاج قناعة متراكمة لدى مؤسسات الدولة، بأهمية الإعلام الخارجي في معركة الوعي والسيادة الوطنية، وهو ما أكده المقال السابق بعنوان (الملحقيات الإعلامية… الأزمة فينا نحن)، والذي أوضح أن الدولة قد وضعت الترتيبات المادية واللوجستية اللازمة لتفعيل دور هذه الملحقيات، رغم الحرب والظروف الاستثنائية.
▪️لذلك، فإن اختزال القضية في شخص الوزير أو في ظروف الحرب، لا يعدو كونه محاولة للهرب من السؤال الجوهري: لماذا لم يلتقط الوسط الإعلامي الفرصة ويقف خلف القرار الذي يعيد للإعلام الوطني موقعه في الخارطة الخارجية؟
*_حين يعلو صوت “الذاتي” على “الوطني”… وتخسر القبيلة الإعلامية أحد أبنائها_*
▪️بدل أن يبادر الإعلاميون إلى دعم زميلهم الذي ارتقى إلى موقع سيادي حساس، باعتباره مكسبًا مهنيًا وطنيًا يعزز حضور الإعلام داخل دوائر القرار، انطلقت بعض الأقلام لتشكك في كفاءته وتُعيد إنتاجه في قالب “الناشط”، وكأن الانتقال إلى مربع الدولة والقرار يُعد خيانة لصف “النشاط” و”الاحتجاج”.
▪️هذا السلوك لا يقدح في الوزير وحده، بل يُدين الوسط الإعلامي كله، ويؤكد أن بعض أزماته نابعة من داخله، حين يعجز عن دعم أبنائه في مواقع التأثير، أو يتعمد إقصاءهم لأنهم لم يمروا عبر قنوات “التوافق الإعلامي غير المعلن”. وهنا تتجلى الأزمة الحقيقية: غياب روح النقابة المعنوية التي تحمي أبناء المهنة، وتُعلي من قيمة وصولهم إلى مراكز التأثير، لا أن تهاجمهم وتُسجنهم في صورهم القديمة.
*_خـلاصة القـول ومنتهـاه_ :*
▪️لم تكن الملحقيات الإعلامية موضع أزمة في جوهرها، بل كانت خطوة طبيعية ومطلوبة في مسار استعادة السودان لخطابه الخارجي، وتحصين روايته في وجه التزييف والتضليل. أما الأزمة الحقيقية، فهي كامنة في ذهنية بعض الإعلاميين الذين ما زالوا أسرى لخطابات “التحريض” و “الاصطفاف”، وعاجزين عن التفاعل المهني مع التحولات الوطنية الجارية.
▪️إن داء متلازمة غياب الضمير المهني قد استشرى في بعض زوايا هذا الوسط، حيث باتت المواقف تُبنى على الحسابات الشخصية، لا المهنية، وعلى العلاقات لا الكفاءات. وهو ما يجعل من قرار الدولة بإنشاء الملحقيات، اختبارًا صارخًا لمهنية الوسط الإعلامي نفسه… لا لوجاهة القرار فقط.
▪️إن الدولة كانت أكثر مهنية من بعض الإعلاميين، وأكثر وفاءً لقيمة الإعلام من بعض من يدّعون الدفاع عنه. وهذا يكشف أن المعركة الحقيقية ليست حول الملحقيات الإعلامية، بل حول الضمير المهني… الذي غاب، إلا من رحم ربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى