للحقيقة لسان – رحمة عبدالمنعم – (حميدتي).. المجرم الهارب وخطاب ” الخسران المبين “

من مخبئه السري، حيث لا تُسمع إلا أصداء الهزائم، خرج قائد مليشيا الدعم السريع (حميدتي)، متأخراً كعادته، ليبث تسجيلاً صوتياً يحمل بصمات المهزوم الذي يحاول التظاهر بالقوة ،عيد الفطر كان مناسبة ليهنئ قادته وجنوده، لكن هل يهنئهم على الانتصارات أم يواسيهم على الفرار الكبير؟
الرجل الذي وعد بالسيطرة على السودان خلال أيام، بات اليوم يتحدث عن “إعادة تموضع” في أم درمان، وكأنها خطوة تكتيكية مدروسة، وليست انسحاباً تحت ضربات الجيش ،خرج من الخرطوم، وهو يعلم أنه لم يخرج طوعاً، بل أُخرج منها رغماً عنه، لكنه يتوعد بالعودة “أشد قوة”، وكأن الهروب يمنح الجيوش بأساً إضافياً، وكأن الهزيمة تصبح نصراً بمجرد إعادة صياغة الكلمات.
يحدثنا المجرم الهارب عن أن “الحرب لا تزال في بدايتها”، وهي عبارة لا تنطوي إلا على شيء واحد: أنه لم يستوعب بعد أن النهاية قد كُتبت ،ربما يظن أن الواقع يُعاد تشكيله وفق مزاجه، لكن الخرطوم لم تعد تأبه لوعوده، وسنار والجزيرة والفاشر والأبيض لم تبقَ إلا شهوداً على هزائم مذلة لا تجد من يبررها سوى بتعابير مموّهة من نوع “الانسحاب التكتيكي”، ترى، هل كان القذافي أيضاً في “إعادة تموضع” حينما تم العثور عليه في أنبوب الصرف الصحي؟
وحتى لا يبدو خطابه خالياً من التنظير المعتاد، قرر قائد المليشيا استخدام تعبيرات شعبية لإثارة الحماسة، فقال لقواته: “فرز البيض من الحميض”، لكنه نسي أن الغربال الذي يتحدث عنه لم يعد في يده، بل أصبح في يد من طحنه وجعل أوهامه هباءً منثورا، كان الأجدر به أن يعترف بأن رفاق الأمس لم يعودوا يثقون به، وأن “الغربال” كشف حقيقة مليشياه أمام العالم، فلم يبقَ له سوى تسجيلات صوتية تذكرنا بآخر أيام صدام حسين، حين كان يتحدث عن “المتطوعين العرب” بينما كانت بغداد تسقط أمامه.
لكن أجمل ما في خطابه أنه يرفض “التفاوض” و”الاتفاق”، وكأن أحداً دعاه للحوار أصلًا! الرجل الذي هرب من معارك الخرطوم لا يريد الجلوس مع من هزموه، وهذه، في حد ذاتها، إحدى مفارقات التاريخ المثيرة للضحك، التفاوض لا يكون مع من لم يبقَ لديه إلا تسجيلات جوفاء، بل مع من يملك أوراق القوة.
ثم يأتي المشهد الأكثر كوميدية، حينما يتحدث بصوت متهدج، وكأنه يدرك أن هذا العيد لم يحمل له سوى الخذلان، ربما جلس في وحدته، يستمع إلى صدى كلماته في الفراغ، ويردد بحسرة: “يا دا العيد طرق أبوابي… كيفن أقابلو أنا الخسران؟”،والإجابة، يا قائد الجنجويد “حميدتي”، بسيطة جداً: لا تقابله، لأنك لم تترك لنفسك إلا الهزائم، ولا عيد للمهزومين!

Exit mobile version