خبر و تحليل : عمار العركي السودان على مسار الدبلوماسية الفاعلة

: قراءة في حوار وزير الخارجية مع صحيفة “الكرامة السودانية”

▪️في توقيت بالغ الأهمية، أجرت صحيفة الكرامة السودانية حوارًا استثنائيًا مع وزير الخارجية السوداني، السفير د. علي يوسف الشريف، عبر الصحفي السوداني البارز “محمد جمال قندول”. جاء الحوار في ظل مرحلة مفصلية تمر بها البلاد، حيث تواجه تحديات معقدة بعد الحرب، تتطلب دبلوماسية دقيقة واستراتيجية متوازنة. وقد جاءت تصريحات الوزير قوية وواضحة، تعكس ثقة السودان في إدارة الملفات الخارجية بحكمة ومسؤولية، ما دفع العديد من المنصات الإعلامية الداخلية والخارجية إلى تسليط الضوء عليها.

*_الموقف من تهجير الفلسطينيين: ثبات على المبادئ_*

▪️أكد الوزير أن السودان لم يتلقَّ أي طلبات رسمية لاستضافة الفلسطينيين المهجّرين من غزة، مشددًا على رفض أي محاولة لإعادة توطين الفلسطينيين خارج وطنهم. هذا الموقف يرسّخ السودان كدولة ذات مبادئ راسخة تجاه القضية الفلسطينية، بما ينسجم مع القرارات العربية والإسلامية، لا سيما مقررات القمة الإسلامية في القاهرة الداعية إلى إعادة إعمار غزة بدلًا من تفريغها من سكانها. بهذا، يواصل السودان تعزيز علاقاته مع الدول الرافضة للمخططات الدولية التي تستهدف إعادة رسم الخارطة الديموغرافية لفلسطين.

*_عزل الحكومة الموازية: انتصار دبلوماسي في المواجهة الدولية_*

▪️في تطور لافت، وصف الوزير الحكومة الموازية بأنها “ماتت”، مستندًا إلى رفضها من قبل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة على كينيا لدعمها لهذه الحكومة. هذا الموقف يؤكد نجاح الدبلوماسية السودانية في تفكيك شرعية الحكومة الموازية وعزلها دوليًا. كما أن استهداف كينيا بعقوبات اقتصادية يعكس تبني السودان نهج “الدبلوماسية القسرية”، التي تجمع بين الضغط الاقتصادي والسياسي لحماية مصالحه الاستراتيجية، وإرسال رسالة واضحة بأن الخرطوم لن تتهاون مع أي دولة تدعم خصومها.

*_التعامل مع جنوب السودان: رؤية استراتيجية لمستقبل الإقليم_*

▪️أكد الوزير أن السودان يراقب الأوضاع في جنوب السودان عن كثب، مشددًا على أن استقرار جوبا يصب في مصلحة الخرطوم. هذا التصريح يعكس فهماً عميقًا لتداخل المصالح بين البلدين، حيث إن أي اضطراب في الجنوب قد يؤثر على الأمن السوداني. دبلوماسيًا، يُبرز هذا الموقف أهمية تعزيز دور السودان كوسيط فاعل في الجنوب، خاصة أن ذلك يمنح الخرطوم أوراق قوة إضافية ويحدّ من التدخلات الخارجية التي قد تستغل عدم الاستقرار لتحقيق أجندات مناهضة لمصالح السودان.

*_إعادة الإعمار: تحركات استباقية لتأمين الدعم الدولي_*

▪️كشف الوزير عن خطة طموحة لإعادة إعمار السودان، تتضمن اجتماعات مرتقبة مع دول خليجية مثل السعودية، الكويت، وقطر، إضافة إلى المنتدى الاقتصادي السوداني-المصري في بورتسودان. هذه التحركات تعكس إدراك السودان لأهمية التخطيط المبكر لمرحلة ما بعد الحرب، حيث يسعى لتنويع شركائه الدوليين لضمان مرونة اقتصادية وسياسية أكبر. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يتطلب تقديم رؤية واضحة للدول المانحة حول آليات التنفيذ وضمان استدامة التمويل، ما يعزز ثقة المستثمرين والداعمين في قدرة السودان على التعافي السريع.

*_إعادة هيكلة وزارة الخارجية: بناء مؤسسة دبلوماسية أكثر كفاءة_*

▪️كشف الوزير أن مقر وزارة الخارجية الجديد لا يزال قيد الإنشاء، مشيرًا إلى إعادة استدعاء عدد من السفراء والإدارات فور اكتماله. هذه الخطوة تعكس توجهًا واضحًا نحو إعادة ترتيب البيت الدبلوماسي السوداني، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة. دبلوماسيًا، فإن إعادة هيكلة وزارة الخارجية قد تسهم في تعزيز كفاءة العمل الدبلوماسي، خاصة إذا ارتبطت بإصلاحات هيكلية تُوحّد الخطاب الدبلوماسي وتعزز آليات اتخاذ القرار بما يخدم المصالح الوطنية.

*_خلاصة القول ومنتهاه_*

▪️جاءت تصريحات وزير الخارجية لتؤكد أن السودان يدير سياسته الخارجية بوضوح وثقة، مستندًا إلى مبادئ ثابتة واستراتيجيات متوازنة. سواء في موقفه الرافض لتهجير الفلسطينيين، أو في نجاحه بعزل الحكومة الموازية، أو في تعامله مع جنوب السودان وإعادة الإعمار، فإن السودان يثبت أنه لاعب دبلوماسي فاعل في المنطقة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تفعيل الدور المؤسسي للبعثات الدبلوماسية، واستثمار هذه التحركات في تعزيز موقع السودان الدولي وحماية مصالحه الاستراتيجية.

Exit mobile version