
بقلم :
والحرب السودانية بثلاثيتها المنحوسة تلفظ أنفاسها الأخيرة، كان لا بد من وجود مجموعات وطنية أخرى تفكر بعقل مفتوح في عملية إعادة الإعمار والتعافي لاسيما وأن البنية التحتية من منازل ومدارس ومستشفيات وطرق ، قد تدمرت واضحى التحدي كبيراً في كيفية إعادة الإصلاح .. هذا فضلا عن ضرورة تقديم الدعم الإنساني للمتضررين بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية ريثما يحل السلام ويبسط يديه لتبدأ عملية التعافي الاقتصادي .
إطلعت على تقرير لمجموعة طيبة من أبناء الجزيرة (وسط السودان) .. قاموا من خلال تنظيم إجتماعي يربط بينهم بزيارة إلى السودان زاروا من خلالها أغلب المناطق التي تضررت من الحرب والتي تعافت الان ورجع إليها أهلها .. كان تقريراً ممتازاً أعط كل ذي حق حقه .. وحسناً فعلوا هؤلاء الإخوة تجاه أؤلئك القوم -أهلهم- الذين بعثرتهم الحرب بين ديار النزوح وافقدتهم كل شيء بما في ذلك تغير العلاقات الاجتماعية بين المجموعات المختلفة وظهور التحديات الجديدة التي لا قبل لهم بها ، ولعل أهمها معاناة البعض من الصدمات النفسية والإجتماعية نتيجة الحرب .. ومن هنا جاء التفكير بضرورة بدء عملية المصالحة والتصالح والتي تبدو هي الأخرى تحدي من نوع جديد لكل أفراد المجتمع ولكنها تهدف بصورة أو أخرى إلى بناء الثقة وتجنب تكرار ما مضى وليكن درساً يستفاد منه في مقبلات الأيام .
في تقديري والحرب تجري نحو نهاياتها نحتاج إلى تعميم نموذج هؤلاء الإخوة إلى بقية الولايات السودانية التي تضررت من الحرب، ولتكون البداية بإصلاح النفوس وتطيبها لأنه لا تفاعل إجتماعي ناجح سيحدث إن تعذر التواصل بين المجتمعات ، وظلت النفوس محتقنة بإفرازات الحرب ، وذلك إلى حين أن تضع الحرب أوزارها نهائيا -باذن الله- وتُنشأ آليات رسمية لرعاية وتدارك الواقع الذي خلفته الحرب .
ولعل التجارب تاريخياً كثيرة ولها عبرة لمن يعتبر ، ففي أربعينيات القرن الماضي وعقب الحرب العالمية الثانية تم إنشاء الأمم المتحدة لتعزيز السلام والأمن الدوليين ، وتم تنفيذ خطة مارشال، لاعادة إعمار أوروبا .. وكذلك ماحدث في يوغوسلافيا السابقة وما نجم عنه من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب .. وإنتهاء بالتجربة الجنوب أفريقية (جنوب افريقيا)، ولعلها إلى حد كبير تجعلنا في وضع تشابه نسبي معها .. وبالتالي قد تكون أكثر إفادة لنا *(تجربة لجان المصالحة والحقيقة)* ، لتعزيز العدالة والمصالحة لتحقيق الســـــــلام الإجتماعــــي .
الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها تؤكد وبوضوح شديد أن مرحلة ما بعد الحرب تعد مرحلة معقدة وطويلة الأمد وتتطلب جهودا كبيرة من جميع الأطراف لتحقيق الســـــلام والاســــتقرار والازدهــار .. هذا أن تصـــافت النفوس وتوفــــرت الإرادة .
القاهرة ٩ مارس ٢٠٢٥م