بقلم: د. عبدالناصر سلم حامد
كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في فوكس السويد
المقدمة: حرب السودان وتداعياتها على استقرار الساحل الأفريقي
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل ألفين وثلاثة وعشرين، بات واضحًا أن هذا الصراع لم يعد مجرد نزاع داخلي، بل أصبح أزمة إقليمية تهدد الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي التي تعاني أصلًا من أزمات سياسية وأمنية معقدة. فالسودان الذي يعد واحدًا من أكبر دول أفريقيا من حيث المساحة والموقع الجغرافي الاستراتيجي، أصبح ساحة معركة لا تؤثر فقط على شعبه، بل تمتد تداعياتها إلى دول الجوار التي تواجه تحديات أمنية واقتصادية وإنسانية متفاقمة.
تظهر المؤشرات أن هذا النزاع قد يكون بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تشعل سلسلة من الصراعات في الساحل الأفريقي نظرًا للتداخلات القبلية والعرقية، حركة اللاجئين واسعة النطاق، وانتشار الأسلحة والميليشيات المسلحة. في ظل هذه الظروف، بات من الضروري تحليل الديناميكيات المختلفة لهذا الصراع ودراسة تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على الأمن الإقليمي والاقتصاد والتوازنات السياسية في دول الساحل.
إضافة إلى ذلك، فإن استمرار الحرب قد يفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية مثل تحول السودان إلى دولة فاشلة أو تحوله إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى الدولية والإقليمية مما قد يزيد من تعقيد المشهد. وفي المقابل، هناك بعض الجهود الدبلوماسية التي تحاول وقف النزاع ومنع امتداده لكنها تواجه تحديات كبيرة من بينها تضارب المصالح بين الفاعلين المحليين والدوليين.
السودان.. مركز الصراع الأفريقي الجديد
البعد الجيوسياسي للصراع السوداني
يتمتع السودان بموقع استراتيجي بالغ الأهمية حيث يشكل نقطة التقاء بين شمال أفريقيا ووسطها ومنطقة الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي مما جعله على مدار التاريخ مركزًا رئيسيًا للتفاعلات السياسية والاقتصادية في القارة. يمتد السودان على حدود سبع دول أفريقية بعضها يعاني أصلًا من نزاعات مسلحة مثل تشاد وجنوب السودان وليبيا وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى مما يجعل أي اضطراب داخلي فيه سريع التأثير على استقرار المنطقة بأكملها.
على مر العقود، كان السودان جسرًا بين العالم العربي وأفريقيا مما جعله عرضة لصراعات متعددة ذات أبعاد داخلية وإقليمية ودولية. ومع تصاعد النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصبح السودان بؤرة جديدة لعدم الاستقرار في أفريقيا وهو ما قد يؤدي إلى تحولات جذرية في المنطقة سواء من حيث إعادة رسم التحالفات السياسية أو خلق بيئة مناسبة لتمدد الجماعات المسلحة والإرهابية.
لماذا يعد السودان محورًا حاسمًا في الصراعات الأفريقية؟
موقعه الجغرافي كحلقة وصل بين مراكز النفوذ الأفريقية
– السودان يحتل موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر مما يجعله مفتاحًا أساسيًا للسيطرة على الممرات المائية التي تربط أفريقيا بالشرق الأوسط وآسيا.
– يمر عبر السودان أحد أهم طرق التجارة الأفريقية التي تربط بين وسط وغرب أفريقيا وشمالها مما يجعله معبرًا رئيسيًا للبضائع والطاقة.
– مع تصاعد النزاع، فإن الاضطرابات في السودان قد تعرقل سلاسل التوريد الإقليمية مما يؤثر على الاقتصادات المجاورة لا سيما تشاد والنيجر وجنوب السودان.
تحكمه في موارد اقتصادية هائلة
– يمتلك السودان احتياطات ضخمة من الذهب والنفط واليورانيوم مما يجعله هدفًا رئيسيًا للتدخلات الأجنبية.
– روسيا عبر مجموعة فاغنر لها مصالح اقتصادية كبيرة في مناجم الذهب السودانية وتسعى إلى ضمان استمرار نفوذها في المنطقة.
– الإمارات تدعم قوات الدعم السريع جزئيًا بسبب استثماراتها في قطاع التعدين السوداني في حين أن مصر تدعم الجيش السوداني للحفاظ على استقرار منطقة النيل وتأمين مصالحها المائية.
التيارات المتطرفة في منطقة القرن الأفريقي ودورها في النزاع السوداني
تصاعد خطر الجماعات الإرهابية
يشهد القرن الأفريقي تزايدًا ملحوظًا في نشاط الجماعات الإرهابية، خاصة **حركة الشباب في الصومال، داعش في الصحراء الكبرى، القاعدة في المغرب الإسلامي، وبوكو حرام في نيجيريا
. هذه الجماعات استغلت ضعف الحكومات المركزية والصراعات المسلحة في المنطقة لتعزيز نفوذها وتوسيع عملياتها.
في ظل الحرب في السودان، هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي غياب السلطة المركزية إلى تحويل أجزاء من السودان إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة، مما قد يؤدي إلى تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود إلى دول الساحل الأفريقي.
السودان كمركز لتهريب الأسلحة والتجنيد
– انهيار المؤسسات الأمنية السودانية قد يسهل وصول الأسلحة الثقيلة إلى الجماعات الإرهابية في دول الجوار.
– بعض الفصائل المتطرفة قد تستفيد من تجنيد الشباب السودانيين الفارين من الحرب، خاصة في المناطق المهمشة التي تعاني من الفقر والتهميش السياسي.
– الصراع في دارفور وأجزاء أخرى من السودان قد يؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة بين الجماعات الإرهابية والمليشيات المحلية مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
ما السيناريوهات المتوقعة؟
تسوية سياسية بضغط دولي وإقليمي
– قد يتم فرض حل سياسي من قبل الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة يجبر الأطراف المتحاربة على الجلوس لطاولة المفاوضات.
– لكن بالنظر إلى التعقيدات القبلية والعرقية فإن تنفيذ أي اتفاق سلام لن يكون سهلًا خاصة مع وجود أطراف إقليمية لها مصالح مباشرة في استمرار الحرب.
انتصار الجيش السوداني وحسم الحرب عسكريًا
– في الأشهر الأخيرة، بدأت القوات المسلحة السودانية في تحقيق تقدم عسكري واضح، مما يجعل سيناريو الانتصار العسكري واردًا بقوة.
– نجاح الجيش في استعادة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع قد يعيد فرض سيادة الدولة ويؤدي إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي والأمني
– هذا السيناريو يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا لمرحلة إعادة الإعمار والاستقرار السياسي
استمرار الحرب وانتقالها إلى دول الساحل
– في حال استمرار القتال فمن المتوقع أن تنتقل الأسلحة والمقاتلون إلى تشاد والنيجر ومالي مما قد يؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة في هذه الدول.
– انتشار تهريب الأسلحة والنزوح الجماعي يمكن أن يفجر الأوضاع في دول الجوار خصوصًا تشاد التي تشهد أصلًا اضطرابات سياسية وأمنية.
الخاتمة
لا يمكن إنكار أن السودان أصبح اليوم أحد أخطر بؤر الصراع في أفريقيا حيث لا يقتصر تأثير الحرب على الداخل السوداني فقط بل يمتد إلى منطقة الساحل والقرن الأفريقي التي تعاني أصلًا من اضطرابات مزمنة. استمرار النزاع دون حلول سياسية حقيقية قد يحول السودان إلى مركز جديد للفوضى، حيث يتشابك نفوذ القوى الإقليمية مع تصاعد خطر الإرهاب والتطرف العابر للحدود.