البرهان في غرب أفريقيا،، تحالفات جديدة لقضايا قديمة

انهى زيارة ناجحة شملت عدة دول أفريقية،،
..

تمليك رؤساء الأفارقة معلومات حقيقية عن الأوضاع في السودان..

تطابق الرؤى بشأن إيقاف تدفقات المرتزقة، ومحاربة الجماعات الإرهابية..

حشد الدعم لبناء تحالفات واستعادة عضوية الاتحاد الأفريقي وإصلاح مؤسساته..

تأييد جماهيري واسع للبرهان في مختلف الدول الأفريقية..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

أنهى رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، جولة أفريقية مكوكية ناجحة استمرت خمسة أيام حسوما، شملت خمس دول هي مالي، غينيا بيساو، سيراليون، السنغال، وموريتانيا، التقى خلالها رؤساء هذه الدول وبحث معهم مختلف قضايا التعاون المشترك سياسياً، وأمنياً، وتجارياً، واقتصادياً، ووضع البرهان رؤساء هذه الدول في صورة الأوضاع الأمنية التي يشهدها السودان بعد مرور أكثر من عشرين شهراً على اندلاع الحرب التي أشعلت فتيليها ميليشيا الدعم السريع بتمردها على القوات المسلحة في الخامس عشر من أبريل 2023م، مسنودة بمحاور إقليميةودولية.

التوجه غرباً:
لم تكن مصادفةً أن تتوجه طائرة رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى غرب أفريقيا، بل كان الأمر مقصوداً من خلال استراتيجية موضوعة، للتقارب مع دول منطقة أفريقيا الغربية التي عانى السودان خلال حربه الوجودية الحالية من كثافة المرتزقة المستجلبة من بعض دول هذه المنطقة، حيث كانت لهؤلاء المرتزقة اليد الطولى في استمرار الحرب وإطالة أمدها رغم ما بذلته القوات المسلحة والقوات المساندة لها والمستنفرون والمجاهدون من تضحيات جسام حققوا من خلالها انتصارات باهرة على ميليشيا الدعم السريع ومرتزقتها، ولكن استمرار تدفق الإمداد البشري على الحدود الغربية من بعض دول غرب أفريقيا كان بمثابة الوقود الذي يزيد من إشعال أوار هذه الحرب، وبالتالي كان لابد لرئيس مجلس السيادة الانتقالي ووفده الاستراتيجي الذي رافقه أن يبحث سبل قطع دابر هذا الإمداد المستمر من المرتزقة والذين يشكلون خطراً كبيراً ليس على السودان وحده ولكن على المنطقة بأسرها، في ظل تنامي خطر الجماعات الإرهابية، لذلك لم يكن مستغرباً أن تتطابق رؤية السودان مع رؤى دول منطقة غرب أفريقيا التي تتوجس خيفةً من وجود جماعات إرهابية ومرتزقة من عدة دول تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، فكان الاتفاق على تنسيق الجهود والمواقف مع السودان لمحاربة الجماعات الإرهابية وتجفيف المنابع التي تتدفق منها أمواج هؤلاء المرتزقة من عرب الشتات وغيرهم ممن يسيل لعابهم للوعود البراقة التي التزم بها قائد ميليشيا الدعم السريع الهالك محمد حمدان دقلو.

ظروف متشابه:
وتتشابه عدة دول في منطقة غرب أفريقيا مع السودان المُعاقَب من قبل الاتحاد الأفريقي بتجميد عضويته على خلفية الإجراءات التصحيحية التي اتخذها رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م والتي فضَّ بموجبها الشراكة مع المكوّن المدني المتمثل في تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس العسكري، الأمر الذي عدَّه الاتحاد الأفريقي انقلاباً يخالف لوائحه فأصدر قراره بتجميد نشاط السودان في المنظمة الإقليمية، ومثل السودان فإن الاتحاد الأفريقي قد جمّد عضوية كل من مالي، والنيجر، بوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، ورغم تشابه أسباب تعليق عضوية هذه الدول من قبل الاتحاد الافريقي لمخالفة اللوائح بسبب الانقلابات العسكرية، إلا أن ما لا ينطقه لسان الواقع السياسي هي الانتفاضة الأفريقية المتنامية ضد الوجود الأجنبي وتحديداً الوجود الفرنسي في القارة السمراء، حيث تبلورت في منطقة غرب أفريقيا تحديداً مواقف نضالية عُرفت ” بالمشاعر المعادية للفرنسيين في أفريقيا” وهي محاولة جادة لطي ظلمات الاستعمار ووداع حقب من التبعية والارتهان للأجنبي، وإعادة سيرة الآباء والأجداد المؤسسين بتفجير ثورة الحرية والانعتاق من براثن الغرب الذي يحيك المؤامرات ويبذل الغالي والنفيس من أجل الاستحواذ بشتى السبل على ثروات وموارد ومقدّرات القارة السمراء.

تحالف عريض:
ولما كانت المصائب تجمع المصابينَ، فقد كانت رؤية السودان تركز على ممارسة ضغوط على الاتحاد الأفريقي باستقطاب وحشد المواقف من أجل تشكيل جبهة عريضة من الدول المعاقبة بتجميد عضويتها داخل أروقة المنظمة الأفريقية، حيث حصل السودان على تأكيدات من زعماء وقادة دول منطقة أفريقيا الغربية بضرورة تنسيق الجهود والمواقف وتوحيد الرؤى السياسية في المحافل الدولية والإقليمية الخاصة بقضايا القارة الأفريقية والسعي لإيجاد الحلول لقضايا القارة داخل البيت الأفريقي بعيداً عن أعين وأطماع التدخلات الخارجية، مع التشديد على ضرورة تقوية المنظمات الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام التحركات الساعية إلى إصلاح الاتحاد الأفريقي ومؤسساته خاصة بعد مواقف الاتحاد غير المتزنة مع عدد من دوله الأعضاء، كان آخرها موقفه المتماهي مع ميليشيا الدعم السريع، وغض الطرف عن محاولتها للانقلاب على السلطة وتقويض الحكم في السودان، والانتهاكات والجرائم الفظيعة التي ارتكبتها في حق الشعب السوداني.

لافتات مضيئة:
وعلى الرغم من الزخم السياسي والأمني الذي اكتنف زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى غرب أفريقيا، إلا أن الزيارة صاحبتها مشاهد لافتة تستحق الوقوف عندها، كتدفق الحشود الجماهيرية من الجالية السودانية والجماهير الموريتانية التي قطعت الطريق على موكب البرهان الذي خالف البروتكول واللوائح المراسمية وخرج من سيارته ليصافح الجماهير التي كانت تهتف ” شعبٌ واحد، جيشٌ واحد” في دلالة واضحة على دعمها وإسنادها للقوات المسلحة وهي تخوض حرب الكرامة الوطنية ضد تمرد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية، وتكررت ذات الصورة في كل من مالي والسنغال حيث اصطفت جماهير الجالية السودانية في مطاري باماكو وداكار على التوالي وأقامت استقبالاً شعبياً حاشداً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي والوفد المرافق له، برفع أعلام السودان وهي تهتف بحماس كبير ” شعبٌ واحد، جيشٌ واحد”.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد حققت زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لخمس من دول غرب أفريقيا النجاح المرجو والذي ينبغي أن يأتي مقروءاً مع نجاحات زيارة مماثلة للفريق أول ركن شمس الدين كباشي إلى كل من مالي والنيجر، ولعل من المصادفات العجيبة أن الزيارتين كانتا في شهر يناير في العامين 2024م و2025م، وهي خطوة تعكس من حيث دلالات التوقيت الزماني والمكاني توجهاً مقصوداً من السودان نحو أفريقيا الغربية، يستهدف من خلاله التأسيس لتحالف مع دول تشاركه هموم تجميد العضوية في المنظمة الأفريقية، إضافة إلى الحرص والاهتمام بإصلاح الاتحاد الأفريقي نفسه، إذ يمثل هذا الحشد فرصة لاستعادة الماضي التليد لمنظمة الوحدة الأفريقية، وإحياء أهدافها الرافضة للهيمنة الأجنبية، والمدافعة عن سيادة الدول الأفريقية وتعزيز أمنها وسلامتها وحماية استقلالها، هذا فضلاً عن تنسيق وتكثيف تعاون الدول الأفريقية من أجل تحقيق حياة أفضل لشعوبها التي اكتوت بنار التخلف والفقر والمرض جراء استمرار الصراعات وتطاول أمد الحروب والنزاعات.

Exit mobile version