قبل المغيب – عبدالملك النعيم أحمد – الإعلام الخارجي..أخي وزير الإعلام…(1..من .. 3)

……………………….
دخلنا وكالة السودان للأنباء (سونا) في الربع الأول من ثمانينيات القرن الماضي في حقبة حكم المشير جعفر نميري وكان مديرها الأستاذ الراحل الإعلامي الفذ مصطفي أمين…بدأنا مسيرتنا العملية والإعلامية بإدارة الإرسال الخارجي ونحن مجموعة من خريجي كلية الاداب جامعة الخرطوم في اللغات والترجمة وكان وقتها علي راس الإدارة أساتذة أفاضل..أحمد زيدان..موسي الضو..محمد حسن كثير…شريف عمر يرحمهم الله جميعا والأستاذة وفاء النويري أمد الله في أيامها ومتعها بالصحة والعافية….كانت سونا عبر إدارة الإرسال الخارجي تتعامل مع مايزيد عن خمسة عشر وكالة أنباء عالمية فرنسية، بريطانية، أمريكية وروسية ووكالات إقليمية وقومية فضلاً عن وكالة الأنباء الإفريقية (PANA) ووكالة أنباء الشرق الأوسط…كانت ترسل أخبار السودان علي مدار اليوم ( 24 ساعة) بثلاث لغات عربي وانجليزي وفرنسي بالإضافة للنشرات الإخبارية بالثلاث لغات والنشرة الخاصة لأعلي المسؤولين بالدولة ونشرة الرصد الصحفي والتحقيقات وكل تشكل مصادراً موثوقة لأجهزة الإعلام داخلياً وخارجياً…كانت الرسالة الإعلامية تصل للمجموعات المستهدفة بكامل معانيها التي نريد إيصالها وليس عبر مترجمين من جهات أخري لهم سياستهم التحريرية وتوجهاتهم السياسية التي ليست بالضرورة أن تتفق مع سياسة بلادنا…فكانت سونا المصدر الأول لأخبار السودان وكانت محل ثقة لكل المؤسسات الإعلامية التي تتعامل معها حتي أنه في كثير من الأحوال عندما يصل هذه الوكالات خبراً من مصدر غير سونا وتود نشره تزيل الخبر بعبارة ( إلا أن سونا لم تؤكد الخبر) مما يجعل مصداقية الخبر عندها ضعيفا إن لم تورده سونا او تؤكده…كان إستخدام الفاكس لأول مرة في السودان من نصيب سونا حيث كانت سونا ترسل عناوين الصحف اليومية والتي تحمل أنباء المظاهرات ضد حكم المشير نميري ترسلها للرئيس في واشنطن حيث كانت زيارته الأخيرة التي لم يعد منها رئيساً بعد أن اطاحت ثورة السادس من أبريل 1985م بحكمه للبلاد وظل بجمهورية مصر لفترة قبل أن يعود للبلاد معززاً ومكرماً…كانت تلك سونا قبل اربعين عاماً متطورة في اجهزتها وكوادرها ومؤثرة إعلامياً في المحيط الدولي ةالإقليمي فضلاً عن تأثيرها داخلياً والمصداقية والدقة التي عرفت بها وقد شهدت بالطبع تطوراً بعد ذلك في حقب الإدارات التي تعاقبت عليها بإستخدام الأجهزة الحديثة والإنترنت ولكنها للأسف بدأت في الإنحدار في الفترة التي سبقت الحرب أما سونا الآن فحدث ولا حرج والحديث لوزير الإعلام والثقافة الأستاذ خالد الإعيسر والذي جاء إلي الوزارة في ظروف بالغة الصعوبة حيث بث شكواه في لقاء بمناسبة تكريمه من اتحاد الإعلاميين الأفارقة بالنادي العالمي بالعاصمة الإدارية بورتسودان بأن مؤسسات الإعلام التابعة لوزارته تعمل من غير إمكانيات وحتي سونا تعمل في مكتب متواضع وبجهاز لاب توب واحد…حديث رغم أنه محبط لكنه يؤكد الوقوف علي حجم المشكلة في واحد من أهم المؤسسات الإعلامية الحكومية ليس في السودان فحسب وإنما في كل دول العالم الذي تتبوأ فيه وكالات الأنباء الوطنية مكانة مرموقة وإهتماما كبيراً ودونكم رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية والروسية واليونايتد برس والاسوشيتد برس..وجميعها مصدر اخبارها عن السودان كانت سونا التي نرثي لحالها الآن…بالمناسبة هذه الأيام نشراتها التي تصدرها علي قلتها شبه متعثرة وموقعها الإخباري يصعب الدخول إليه..
ذكرت هذه الخلفية التاريخية بوصفي شاهد عيان وجزء من هذه المؤسسة العريقة في تلك الفترة ومن المهتمين بتطويرها وكل المؤسسات الإعلامية الوطنية ليس فقط تطوراً في المباني رغم الأهمية ولكن تطوراً في الرسالة الإعلامية للعالم الذي نود مخاطبته وباللغة التي يفهمها ويتجاوب معها وابني لغات الأمم المتحدة علي أقل تقدير الإنجليزية والفرنسية بجانب العربية
تحدث الوزير عن قرار مجلس الوزراء القاضي بأن تكون هي المصدر الأوحد لأخبار الحكومة والغرض طبعا ضبط الخطاب الإعلامي لأجهزة الدولة الرسمية كما أنه يهدف لتقوية سونا وإعطائها مكانتها…ولكن في تقديري وقد كتبت في ذلك أن القرار يجب أن يفرق بين الحوارات واللقاءت والتصريحات الصحافية التي يجريها الوزير المحدد بشأن وزارته أو مؤسسته التي يديرها وبين أعمال مجلس الوزراء الذي يتحدث بمخرجاتها الناطق الرسمي باسم الحكومة وهو وزير الإعلام والثقافة…كما أن الصحفيين وبطبيعة المهنة يريدون اخذ التصريح من المسؤول الأول مباشرة وتحقيق السبق الصحفي لذلك يصعب عليهم وعلي المسؤول الرجوع لسونا في كل تصريح او حديث فهذا عملياً غير ممكن…الصحيح هو الإتفاق علي السياسات العامة للدولة عبر مجلس الوزراء وفي القضايا الاستراتيجية وبعد ذلك لكل مسؤول أن يتحدث فيما يعنيه وفي الملف الذي يديره لأنه سيكون الأفضل من يتحدث ولدعم هذا الإتجاه علي وزارة الإعلام تقوية إدارات الإعلام في المؤسسات والوزارات بالكادر البشري المؤهل وبالإمكانيات اللوجستية ويا حبذا لو تم تحديد ناطرين رسميين باسم الوزارات بإشراف الوزير المعني لأن ذلك سيخفف كثيراً علي وزارة الإعلام والثقافة والتي تتبني الآن عبر منصتها ومنبرها الإعلامي هذه النشاطات إنابة عن جهات أخري وفي رأيي هذا يشكل عبئاً إضافياً ليست الوزارة في حاجة إليه إذا أدي كل مسؤول دوره في خطته المجازة من مجلس الوزراء…
غداً نواصل إن شاء الله الحديث عن المؤسسات الحكومية المعنية بمخاطبة الرأي العام العالمي باللغات التي يفهمها وهي غائبة تماماً..
نواصل….

Exit mobile version