عندما سألناه في لقائنا به بأم درمان قبل أشهر عن تعيين الإعيسر وزيراً للثقافة والإعلام، قال الفريق ياسر العطا، عضو المجلس السيادي، إن تعيينه كان من المفترض أن يتم منذ وقت مبكر، إلا أنه اعتذر، وإن موافقته الأخيرة جاءت بعد مجهودات لإقناعه بقبول المنصب.
وبعد مجيء الإعيسر من لندن إلى بورتسودان ليدفع ضريبة الوطن في أصعب وأعقد الظروف، تفاجأ الرجل بمعوقات ومشكلات لم يكن يتوقعها في وزارته ببورتسودان، لكنه قبل التحدي وركّز.
واستطاع خلال أشهر قليلة، هي عمره بالوزارة، أن يفعل الكثير، معيداً للوزارة هيبتها بعد أن كان وزراؤها المتعاقبون ينتظرون الجهات الأخرى لتطلب منهم حتى حضور مؤتمراتها الصحفية، أو يأتيهم التوجيه من أعلى ليفعلوا أو يقولوا، فينفذون. على العكس من ذلك، كان الإعيسر الوزير القوي الذي فرض وجوده سريعاً، وجعل وزير الإعلام هو من يبادر بتنظيم المؤتمرات الصحفية للوزراء الآخرين، ويحدد لهم الموضوعات حسب مطلوبات الساعة، ويفتح الأبواب مشرعة بين الصحافة والمسؤولين.
وفي بداية عهده، جعل وزير الدفاع متاحاً للإعلاميين، ومكن الوزارة من أن يكون لها منبر راتب، واستمر في إطلالته من خلال القنوات العالمية، مسكتاً الأعداء بقوة منطقه وحجته وبلاغته.
كما استطاع خلال فترة وجيزة قراءة المشهد الإعلامي والثقافي بالبلاد بدقة، ووضع مع معاونيه الخطط والميزانيات التي أقنع بها جهات التمويل للبدء في إصلاح حال المؤسسات الإعلامية التي وجدها في حالة محزنة.
فقد وجد، بعد مجيئه، وكالة السودان للأنباء (سونا)، بجلالة قدرها وتاريخها، مستضافة داخل مكتب واحد صغير بوزارة توجيه ولاية البحر الأحمر، وبها أربعة موظفين فقط مطلوب منهم إنجاز كل العمل الكبير لوكالة دولة. ووجد تلفزيون السودان القومي يستغل مقر تلفزيون البحر الأحمر الولائي، ويعمل بأجهزته المتهالكة وبإدارة مؤقتة. كما وجد مجلس الصحافة بلا مقر، وبلا قيادة، وبلا كوادر، ووجد إدارات الثقافة كلها غائبة، ولا مواقع لها، ابتداءً من المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، مروراً بصندوق رعاية المبدعين، وانتهاءً بالمصنفات.
وكل هذه المؤسسات تحتاج إلى تعيينات وإعادة تأسيس، وهو أمر يتطلب أموالاً كثيرة في ظل ظروف البلاد الصعبة، كما يحتاج إلى وقت.
ويُحسب للإعيسر أنه، بعد مجيئه، عمل على أن يكون مختلفًا عن غيره من سابقيه، الذين كان كل واحد منهم يصر على السير بساق واحدة، مهتمًا بالإعلام ومهملًا الثقافة أو العكس، فأصر هو على السير بساقي الثقافة والإعلام معًا. هكذا تقول خططه وتحركاته واهتماماته.
أما إعادته للملحقيات الثقافية والإعلامية بالخارج، فهذه تُحسب له، فقد حكى لي الوزير السابق، د. جراهام، في أواخر عهده، عن إغلاق الدولة لكل الملحقيات الإعلامية والثقافية بسفاراتنا بسبب الظروف الاقتصادية، وإيلاء مهامها للملحقين من وزارة التعليم العالي بعدد من سفاراتنا، رغم أنها ليست من اختصاصهم.
لذا يُحسب للأعيسر إقناعه للقيادة العليا للدولة بإعادتها لأهميتها، وهو انتصار لوزارة الإعلام التي بدأت تستعيد عافيتها، باستعادتها لسلطاتها وزمام المبادرة والتأثير، والمضي في تنفيذ مطلوبات خطتها، والتي نجحت كاريزما الإعيسر في تحقيق الاستجابة لها من الجهات العليا، التي لم تكن تصرف على الإعلام والثقافة ما يستحقانه على مر العهود، باعتبارهما من الجهات غير الإيرادية.
وعندما يأتي الأستاذ محمد عثمان الرضي أو غيره ويكتبون عن الرجل بعيداً عن هذه الحقائق، وينتقدونه بقسوة، فإنهم يظلمونه، في وقت كان يستحق فيه الدعم من الإعلاميين والصحفيين. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من الحسام.
والأستاذ ود الرضي، القريب مني، كثيراً ما اختلفت معه حول الطريقة الحادة التي يكتب بها عن الآخرين، والتي – في حالة الإعيسر – تدخل في تكسير المجاديف، وهذا ما لا يجب، أخي ود الرضي، لرجل يستحق السند والدعم منا، ليواصل الإنجاز في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد، نجح فيها الإعيسر في أن يسجل الحضور والتأثير، ويحقق الاختراقات هنا وهناك باستمرار.